“التّحول الرّقمي” ممر إلزامي لمكافحة الفساد…هل لبنان مستعدّ له؟
كتبت ناديا الحلاق لـ “هنا لبنان” :
وضعت أوّل خطة للتحوّل الرقمي تحت اسم “استراتيجية الحكومة الإلكترونية” عام 2008 خلال تولي الوزير جان أوغاسابيان وزارة الدولة لشؤون التنمية الإدارية، ثم طورت الوزيرة عناية عزّ الدين خلال توليها الوزارة هذه الاستراتيجية عام 2018 ليصبح اسمها “استراتيجية التحول الرقمي للحكومة”. وفي عام 2019 استلمت الوزيرة مي شدياق هذا المنصب الوزاري وقامت ببعض التعديلات على الاستراتيجية ووضعت خطة تنفيذية لها، أما في العام 2021 فكان هناك توجه من الوزير دميانوس قطار إلى تطبيق هذه الاستراتيجية وتفعيلها ليقترب لبنان أكثر فأكثر من العالم الرقمي في الموضوع الحكومي، قبل أن يصبح الملف بعهدة الوزيرة نجلا الرياشي.
ويحتل لبنان المرتبة 127 من أصل 191 دولة في الاستطلاع حول الحكومات الإلكترونية الذي أجرته منظمة الأمم المتحدة في العام الماضي، ويشير هذا التصنيف إلى تراجع لبنان في هذا المجال خلال السنوات الماضية، إذ كان يحتل، في العام 2005 المرتبة 71 من أصل 191 دولة، وكان تصنيفه أعلى من المتوسط العالمي.
أين أصبحت “استراتيجية التحول الرقمي” التي مر عليها الزمن؟ وماذا عن آخر مستجداتها؟ وفي زمن الإصلاحات الواجبة للخروج من الأزمة الاقتصادية هل لبنان مهيأ لها؟
المتخصص في الحلول التكنولوجية هشام الناطور يوضح لـ “هنا لبنان” أنّه لا بد من إدخال التحوّل الرقميّ إلى القطاع العام بهدف الإصلاح الإداري، فتتحول معه الإدارة إلى إدارة عصرية منتجة تخفف الكثير من الأكلاف وتعتمد على العنصر البشري المفيد والفاعل.
ويضيف: “العالم يتجه نحو تكنولوجيا التحول الرقمي بهدف مساعدة الحكومات على تلبية توقعات المواطنين وعلى إنجاز معاملاتهم بمرونة وكفاءة، وتسهيل أمور الناس بوتيرة سريعة في حال الالتزام بتطبيق هذا التطور بأسلوب صحيح”.
ويردف الناطور: “هذه التكنولوجيا هي عبارة عن بطاقة هوية بيوميترية تحتوي على شريحة صغيرة تتضمن كل البيانات الشخصية للأفراد بطريقة آمنة، تساعدهم على إنجاز كافة المعاملات في الإدارات الحكومية في أي وقت كان من خلال تسجيل الدخول على منصة خاصة.
ويشرح أن من إيجابيات تكنولوجيا التحول الرقمي “أنها تسمح للناس بإنجاز معاملاتهم على مدار الساعة طوال أيام الأسبوع، وتستمر في تقديم خدماتها حتى في أثناء الاحتجاجات والاعتصامات والأزمات الصحية العامة، مثل جائحة “كوفيد – 19”.
ويشير إلى أنّها توفر الوقت والجهد على المواطنين وتقلل من العبء الإداري على المؤسسات الحكومية. ومن مميزاتها أيضاً أنها وعند إنجاز أي معاملة يتم حفظها على البطاقة البيوميرتية، فمثلاً في حال سدد الشخص فاتورة ميكانيك تسجّل في بياناته أنّه أنجز هذه العملية. وبهذه الطريقة يكون قد تم ربط كل الدوائر الحكومية ببعضها البعض.
كما وأنّ هذه التكنولوجيا تساعد على تنظيم العمل حسب الأولوية وتعزّز الإنتاجية وتحدّ من الأعباء على الموظفين.
كما وتساهمم في تسهيل عملية دفع الرسوم والطوابع على الأفراد حيث يقومون بذلك من خلال بطاقات مسبقة الدفع، ما يحدّ من التداول نقداً في الدوائر الحكومية ويساعد على التّخلص من ظاهرة الرشوة، لاسيما وأنّها الممر الإلزامي لمكافحة الفساد وتعزيز الشفافية.
ومن مزايا تكنولوجيا التحول الرقمي بحسب الناطور أنها أداة فعالة في الحد من هدر المال العام والتخفيف من أعباء القرطاسية والورق والحبر والكهرباء ما يساعد في الحفاظ على البيئة، لأن عملية إزالة الحبر أثناء إعادة تدوير الورق تشكل مصدراً للانبعاثات بسبب المواد الكيميائية المحررة في النفايات السائلة.
وللوصول إلى النموذج الأفضل من اعتماد تكنولوجيا التحول الرقمي في لبنان يوضح أنه يجب أن ينطلق من الإرادة السياسية ثم التخطيط والبدء ببعض الإجراءات أولها الشراكة بين القطاعين العام والخاص، تحديث التقنيات وإدخال المكننة إلى المؤسسات العامة، تنظيم دورات تأهيلية تحويلية للجهاز الإداري تدربه على استخدامها، ضرورة التنسيق بين جميع الإدارات العامة، تفعيل دور أجهزة الرقابة، ضمان سرية المعلومات.
أما عن مدى إمكانية تطبيقها في بلد يعاني من أشد مأزق اقتصادي، فيرى الناطور أن تنفيذ هذه الاستراتيجية سينقل لبنان إلى الدولة الحديثة التي يطمح إليها المواطن، كما من شأنها استعادة ثقة المجتمع الدولي بلبنان وثقة المستثمرين بالدولة. ولكن للأسف لبنان غير مستعد لاعتماد هذا التطور التكنولوجي كونه يفتقر إلى أبسط الخدمات والبنى التحتية التكنولوجية التي تقلل من قدرة الأشخاص على النفاذ إلى شبكة الإنترنت، ناهيك عن الانقطاع المستمر للتيار الكهربائي وافتقار المؤسسات العامة إلى الكفاءات وأصحاب الخبرات.
كما ويعتقد أنه في حال أبصر هذا المشروع النور فسيصطدم باعتراض معظم الموظفين المعينين على أساس الواسطة والمحسوبية، لأنهم سيخسرون وظائفهم.
مواضيع مماثلة للكاتب:
خسائر القطاع الزراعي وصلت إلى 70% ..”والحبل على الجرار” | تأمين الدم للمرضى…رحلة بحث شاقة وسعر الوحدة فوق الـ 100 دولار | بيوت جاهزة للنازحين.. ما مدى قانونيتها؟ |