شبح صراع جديد على السلطة يتمظهر مع نتائج الانتخابات النيابية
اندلعت الثورة في شوارع لبنان لمدة ثلاثة أشهر في عام 2019، إذ شهد هذا البلد أزمة لا مثيل لها منذ الحرب الأهلية. فاجتمع الشباب وكبار السن والنخبة والطبقة العاملة معًا ليطلقوا صرختهم بصوت عالٍ من أجل التغيير. جميع الأديان المختلفة توحدت وقال اللبنانيون بصوتٍ واحدٍ “كلن يعني كلن”.
هذه المرة، توحدوا واجتمعوا لإسقاط – السياسيين اللبنانيين- والفساد وسوء الإدارة الذي أغرق وطنهم الحبيب.
بعد ثلاث سنوات، أتيحت الفرصة أخيرًا لهذه الجماهير اللبنانية المتحمسة واليائسة للحكم على سياسييهم رسميًا، في صناديق الاقتراع.
هذه الانتخابات لن تسفر عن تغيير سياسي كبير.
لكن ما هي الرسالة التي بعثوها؟
إذا ما تعمقنا قليلاً في النتائج نجد أن حزب الله المدعوم من إيران، فقد الأغلبية التي كان يحظى بها في البرلمان.
هذه لحظة كبيرة ومهمة.
لكن عند تحليل الأرقام، نرى أن الحزب نفسه احتفظ بنفس عدد المقاعد – 13. فيما حلفاؤه هم الذين تكبدوا الخسائر.
لم يسجل أكبر تحالف لحزب الله – التيار الوطني الحر – العديد من الانتصارات كما في انتخابات العام 2018. في الواقع، تقدم خصم التيار الوطني الحر، القوات اللبنانية، ليصبح أكبر كتلة مسيحية في البرلمان.
إنها ضربة لحزب الرئيس ميشال عون قبل أشهر فقط من اختيار خليفه في الرئاسة.
صبيحة يوم الأحد، التقيت بإلهام كعكي في مركز الاقتراع وعرضت بفخر الحبر على إصبعها لتظهر أنها صوتت، وأشارت إلى شارة على صدرها تظهر صورة نجلها رامي، أحد رجال الإطفاء العشرة الذين قُتلوا في الانفجار المدمر في مرفأ بيروت عام 2020.
“كنت أشاهد الناس يصطفون للإدلاء بأصواتهم قبل ساعات فقط في مركز فوج إطفاء بيروت في الكرنتينا، حيث كان يعمل رامي. واليوم كان وجه الشاب المبتسم يزين لافتات ضخمة هناك.
بعد مرور عامين تقريبًا، لم يُحاسَب أحد، لأن السياسيين عطلوا مرارًا التحقيق الذي يقوده القاضي بيطار.
قالت لي إلهام بحماس: “خلص. لقد كنت دائمًا أصوت لأحد الأحزاب”، لكنها الآن فقدت إيمانها.
وقالت “نحتاج أن نستيقظ ونغير هذا النظام برمته. هذه المنظومة بأكملها من السياسيين. استيقظوا. نريد أن نعرف الحقيقة. هذه الوجوه الجديدة بحاجة إلى أن تضع أرواحها بين أيديها. مثلما وضع ابني روحه بين يديه من أجل الوطن. نحن بحاجة إلى شيء جديد للوطن. فأهم شيء هو لبنان وطننا، البلد الذي نخسره “.
هذه المرة، هناك مجموعة جديدة على الطاولة وهم المستقلون الذين يعارضون المنظومة، والذين حصلوا على 13 مقعدًا.
العديد من هؤلاء الوافدين السياسيين الجدد سُمِعَتْ أصواتهم خلال ثورة 2019، بدأوا الثورة خارج البرلمان في بيروت، وسيعملون الآن داخله.
الآن بعد أن تم إحصاء النتائج وتأكيدها، ماذا بعد؟
على الأرجح، ستلي ذلك فترة طويلة من المفاوضات المطولة لمحاولة تشكيل حكومة.
خلال تلك الأسابيع، وحتى الأشهر، سيواصل لبنان الكفاح من أجل إخراج نفسه من أزمته المالية العميقة. لكن عندما لا يجلس السياسيون في مجلس الوزراء أو يمررون القوانين، فلن يكون هناك فرصة للتغيير تقريبًا.
بعد انفجار مرفأ بيروت، كانت البلاد بلا حكومة لأكثر من عام. بالنسبة لبلد يائس للحصول على دعم مالي دولي، فهذه مشكلة كبيرة لأن المؤسسات تتردد بتقديم مساعدات نقدية ضخمة للدول التي ليس لديها حتى إدارة فاعلة.
النظام البرلماني المعقد في لبنان صارم ويصعب تغييره، وقد تم تصميمه بهذه الطريقة لتحقيق الاستقرار في البلاد بعد الحرب الأهلية. فهو يقسم السلطة على أسس طائفية، ويضمن للجميع شريحة من الكعكة السياسية.
واليوم بدون الأغلبية، سيشعر تحالف حزب الله الطائفي بفرق حقيقي إذ سيتعين عليهم التفاوض – والتسوية – أكثر بكثير مما اعتادوا عليه.
وفي النظر إلى النتائج لا يمكن إغفال ما جرى في شمال لبنان أيضًا، معقل المسلمين السنة. وكان قد أعلن زعيمهم – رئيس الوزراء السابق سعد الحريري – أنه سيعلق عمله السياسي قبل هذه الانتخابات وحث أعضاء تيار المستقبل على عدم الترشح، ودعا أنصاره إلى مقاطعة الانتخابات.
وفي ظل هذا الفراغ، تحركت القوات اللبنانية وعرضت تحالفًا مع الكتلة السنية. وذلك التحالف الجديد القوي يهدف إلى إرسال رسالة.
فلطالما كانت دول الخليج تضغط من أجل نزع سلاح حزب الله، الذي قال دائمًا إنه لن يتخلى عن أسلحته، وأن هذا خط أحمر.
فهل يمكن لكتلة مدعومة من السعودية بقيادة زعيم حرب سابق قوي – قائد القوات اللبنانية سمير جعجع – أن تقرر ضبط خصومها المدعومين من إيران؟
إنه احتمال خطير، ومن المحتمل أن يشعل فتيل حرب أهلية جديدة.
في قلب كل هذا توجد حياة ملايين اللبنانيين.
أطفال بلا طعام وعائلات بلا أمل.
مرات عديدة عندما أتحدث إلى الناس هنا يستخدمون كلمة “إذلال” لوصف ما يشعرون به، وكيف أصبحت بلادهم.
إنه الآن سباق من أجل البقاء على قيد الحياة، وربما يكون ذلك بمثابة منصب أكبر مما يمكن لأي سياسي توليه – ناهيك عن أولئك الذين أثبتوا بالفعل أنهم لا يستطيعون حل مشاكل لبنان.
المصدر: Anna Foster – BBC
مواضيع ذات صلة :
اجتماعات من دون إعلام… فهل من تحالف؟ | “المطبوعات” تبطل إحالة مواقع إلكترونية على القضاء | اجتماعات المجلس الأعلى للدفاع غائبة.. فهل يخرقها ملف الرغيف؟ |