“الأكثرية الظرفية”
كتب زياد شبيب في “النهار“:
لبنان جمهورية ديموقراطية برلمانية… هذا ما ينص عليه الدستور في مقدمته. والنظام البرلماني هو واحد من النماذج الثلاثة المعروفة للأنظمة الدستورية في العالم، إلى جانب النظامين الرئاسي والمجلسي. وما يميز النظام البرلماني أن السلطة الإجرائية التي تتولى الحكم تنبثق عن الأكثرية النيابية، وهذه الأخيرة لا تتألف بالضرورة من تحالفات سابقة ثابتة بل غالباً ما تحصل من اتفاقات سياسية بعد الانتخابات إذا نتج عنها عدم فوز أي حزب بالأكثرية المطلقة، فيصار إلى تكوين ائتلاف يتفق على شخص رئيس الحكومة وعلى توزيع المناصب الوزارية بين الكتل المؤتلفة فضلاً عن برنامج الحكومة.
أهمية الحديث عن تصنيف النظام الدستوري اللبناني اليوم وتجديد القول بأنه نظام برلماني، سببها ما حصل بعد الانتخابات النيابية الاخيرة ولا سيما بعد الاستحقاق أو الاختبار الأول الذي خضع له مجلس النواب الجديد وهو انتخاب رئيسه ونائبه وهيئة مكتبه. فقد ثَبُت ما سبق لنا قوله من خلاصات وهي:
– أن الجماعة التي خسرت الأكثرية السابقة تملك من عناصر القوة الأخرى ما يمكنها من التعويض عن فقدانها. وهذا ما مكّنها من الفوز بانتخابات الرئيس ونائبه وأكثرية أعضاء مكتب المجلس. وهي ستستخدم هذه العناصر المختلفة كلما دعت الحاجة وقد تتمكن من تحقيق أكثريات ظرفية في الاستحقاقات المقبلة.
– أن الانتخابات لم تفرز أكثرية جديدة، والفائزون، جماعات وأفراد، لن يلتقوا على الأرجح إلا على المزايدة في الرفض ولن يكوّنوا تحالفاً ثابتاً واضحاً بل سيكون هناك تداخل بين المجموعات واصطفافات أو تقاطعات ظرفية.
– أن الأكثرية الظرفية التي قد تتكون، بإمكانها أن تتولى الحكم من خلال تكليف رئيس حكومة تتفق على دعمه وعلى دعم تشكيلة وزارية يقترحها وعلى برنامج حكومي أو بيان وزاري أيضاً، ويكفي لتحقيق ذلك اتفاق خمسة وستين نائباً.
هذه الخلاصات سوف تؤدّي إلى إعادة النظام السياسي اللبناني إلى مكانه الصحيح دستورياً، وتُبعد مؤقتاً على الأقل، الانحرافات التي حصلت بالممارسة في الماضي والتي جعلته أقرب إلى النظام الرئاسي حيناً والمجلسيّ أحياناً.
هذا في المشهد النيابي، أما في الخطاب السياسي فمن المرجح أن يتأقلم خطاب القوى الحاكمة مع القواعد الجديدة، ولذلك سيكون من غير المنطقي أو المتوقّع، أن تعترض الكُتل التي نادت حتى الآن برفض الحكومات التوافقية على حكم “الأكثرية الظرفية” التي قد يتمكن الفريق الفائز برئاسة المجلس ونيابته من تكوينها لتسمية رئيس الحكومة وتشكيل الحكومة، كما أنه من غير المنطقي أيضاً أن يُحجم الفريق المذكور عن الذهاب بهذا الاتجاه وأن يُصرّ على حكومات توافقية، وذلك لسببين الأول هو خسارته الأكثرية المريحة والثاني هو تأكّد رفض المناوئين له المشاركة في هكذا حكومات، وبالتالي سيكون الخيار الوحيد أمامه هو محاولة تكوين ائتلاف يُنتج “أكثرية ظرفية” إذا ما أراد البقاء في الحكم.
في هذه الأجواء الدستورية الجديدة يبقى الغائب الأكبر عن المشهد العام التحقيق في تفجير المرفأ الذي وإن كان متوقفاً بسبب التعقيدات التي أوجدها عدد من المطلوبين للتحقيق بصفة مدعى عليهم، فإن تبدّل المشهد النيابي قد يشكل فرصة لم تكن متوفرة في السابق لتصويب الأمور. وهذا الموضوع يمكن أن يشكل المادة التي تستطيع أن تأتلف حولها “أكثرية ظرفية” من القوى المطالبة بالإسراع بالتحقيق.
في هذه الحالة يمكن إقرار اقتراحات القوانين اللازمة الموجودة أصلاً في المجلس النيابي أو التي تظهر الحاجة إلى تقديمها لحسم المسائل الإشكالية حول إجراءات التحقيق بما يسمح بمتابعته. وفي مثل هذه الحالة يمكن الحديث عن انتصار في الانتخابات.
مواضيع ذات صلة :
انتخابات الجزائر.. تبون يفوز بفترة رئاسية جديدة | هاريس: أعتقد أني سأفوز.. وسأعين جمهورياً في منصب حكومي | الانتخابات الفرنسية.. هل تنتصر لوبان؟! |