“الهريبة تلتين المراجل” شيء، ونفي المسؤولية والهروب منها شيء آخر
كتب مازن مجوز لـ “هنا لبنان”:
يواصل المدير العام السابق لوزارة المالية آلان بيفاني إطلالاته بإطلاق المواقف وطرح الحلول للأزمة المالية والنقدية والاقتصادية والمعيشية، وتحميله المسؤولية لما حصل من تدهور على هذه المستويات لأكثر من قيادي سياسي، أبرزها السياسات التي اعتمدها الرئيس الشهيد رفيق الحريري، ورئيس مجلس النواب نبيه بري، وللعديد من الوزراء الذين تعاقبوا على وزارة المالية، نازعاً عنه عباءة المسؤولية التي أنيطت به طيلة فترة عمله في الوزارة الممتدة بين عامي 2000 و2020 ، ليبرز السؤال هنا: هل يمكن أن يتبرأ من كل ما حصل خصوصاً على المستوى المالي والنقدي والاقتصادي خلال هذه الفترة؟ علماً أنه معروف ما مدى صلاحيات المدير العام وحجمها، فيما يصف البعض المدير العام في أي وزارة في لبنان بأنه وزير مدى الحياة.
وفي هذا السياق يعلق الدكتور عماد عكوش الخبير الاقتصادي والمالي في حديث لـ “هنا لبنان”: “لنكن واقعيين، بيفاني كان أحد أبرز المسؤولين الرسميين عن الضرائب وإعداد الموازنات وتنفيذها، ومراقبة الالتزام بالموازنة والإشراف على حسن سير الإنفاق والخزينة والدين العام والمحاسبة العامة والتدقيق، والرقابة على الشركات التابعة للدولة، والإدارة، وتدريب الموارد البشرية”، لافتاً إلى أنه وباستقالته في العام 2020 فرّ من هذه المسؤولية ليرمي نفسه خارج السفينة، فيما يعدّ من أبرز من يتحملون المسؤولية عما يتخبط فيه لبنان من أزمات طاحنة.
ويصف عكوش الاتهامات التي يوجهها بيفاني لكل من الرئيس الشهيد الحريري والرئيس بري بـ “السياسية” خصوصاً أنه لطالما كان أحد أبرز النقديين والماليين في الدولة في هذه السياسات، سائلاً: أين كان دوره عندما كان عضواً في اللجنة المصرفية العليا؟ وماذا فعل عندما كان عضواً في مجلس إدارة مصرف لبنان؟ ماذا فعل عندما كان عضواً دائماً في مجلس إدارة الأسواق المالية؟
ويستغرب عكوش عدم وجود أي دليل ملموس على اعتراضات بيفاني: لا يوجد أي اعتراض شفهي ولا مكتوب عبر تحفظ على أيّ قرارات. فأين كان دوره؟ أين هي انتقاداته؟ أين رفضه لكل القرارات والسياسات المالية التي ينتقدها اليوم بعد تقديم استقالته؟
وللتذكير، فإنه وخلال فترة الـ 20 عاماً التي قضاها كمدير عام في وزارة المالية فقد أكثر من 27 مليار دولار، وانطلاقاً من صلاحياته من المفترض أنه يعلم من تصرف بها وكيف حصل عليها. وفوق هذا وذاك كله يؤكد خلال مؤتمره الصحفي الذي عقده لتقديم استقالته: “ما بدي كون شاهد زور”.
وربما يجدر بنا هنا التوقف عند أبرز ما تضمنه بيان لجمعية المودعين اللبنانيين في 26 أيار 2020: “يفاخر بيفاني بأنه من أبرز واضعي الخطة المالية- الاقتصادية للحكومة، والتي تتضمّن في أبرز بنودها استعادة الأموال المحوّلة إلى الخارج، إضافة إلى محاولة السطو على رأسمال المصارف وأموال المودعين للتعويض عن كل فساد الدولة ومحاولة ضرب القطاع المصرفي بشكل كامل، يسأل مراقبون أين عشرات ملايين الدولارات التي يملكها بيفاني والتي يدّعي أن زوجته حققتها من بيع أسهم لها في شركة أدوية لبنانية؟ وهل صحيح أنه أودع عشرات ملايين الدولارات في الخارج وتحديداً في مصرف BNP Parisbas الفرنسي أولاً قبل أن ينقلها مؤخراً إلى أحد مصارف سويسرا؟ وهل يمكن لمن هرّب أمواله وأموال عائلته إلى الخارج منذ اللحظة الأولى أن يطالب غيره باستعادة الأموال المحوّلة إلى الخارج؟”
وأيضاً أوليس هو من أخطأ باحتساب ديون الدولة مع حكومة دياب بفارق عشرات المليارات وكشفه النائب ابراهيم كنعان؟ أوليس هو المسؤول عن الخطأ الكارثي في احتساب تكلفة سلسلة الرتب والرواتب؟ فحينها قدر التكلفة بحدود 993 مليون دولار سنوياً، بينما بلغت التكلفة الفعلية 2.3 مليار دولار، حيث ساهم هامش الخطأ البالغ 1.3 مليار دولار بجر البلد للإفلاس.
ويؤكد عكوش أن بيفاني كان يعلم اتجاه المشكلة وأين سينتهي لبنان بعد تراكم الدين العام، وبعد العجز المتراكم في الموازنات، وبعد ما كان يجري من هندسات مالية كان شاهدًا وموافقًا عليها.
ويختم عكوش “هو يعرف تماماً أنه مخطئ في المواقف التي يطلقها اليوم، فهو كان على اطلاع على تفاصيل كل ما ينتقده اليوم، ولم يكن جريئًا لاتخاذ قرار ضد هذه القرارات واليوم يحاول تبرئة نفسه ربما لأهداف اقتصادية أو أسباب شخصية”، مرجحاً أن الهدف من سلوكه هذا هو كي يظهر أنه كان ناجحاً في الفترة التي قضاها في وظيفته، أو كي لا يظهر أنه فشل إذ أنَّ كشف فشله في المهام التي كان يقوم بها ربما يؤثر على نشاطه وعمله المستقبلي أو الذي يشغله حاليًّا.
مواضيع مماثلة للكاتب:
“ابتكار لبناني”.. أملٌ واعد لفاقدي البصر! | بين القوننة والأنسنة.. هل تهدّد التكنولوجيا أطفالنا؟ | لبنان غنيّ بالمياه الجوفية العذبة.. ثروة مهدورة بلا استثمار! |