هل أصبح الدستور لزوم ما لا يلزم؟
كتب رامي الريّس لـ “هنا لبنان” :
المؤتمن الأوّل على حماية الدستور والسهر على تطبيقه، ومن أقسم اليمين على الحفاظ عليه، رئيس الجمهوريّة، لا ينفك يختار من بنوده ما يتلاءم مع مصلحته السياسيّة (وهي لا تتطابق بطبيعة الحال مع المصلحة الوطنيّة العليا) ويتغاضى عن بنود أخرى طالما أنه لم يتأكد أنها تصب مباشرة في تلك المصلحة.
المؤتمن الأول على حماية الدستور لا يتوقف عن إصدار البيانات عن مكتبه الإعلامي النشيط وإفتعال معارك وهميّة في قضيّة الصلاحيّات، بينما لا يلتزم بروحيّة الدستور في كل مرّة يستحق موعد الدعوة لإستشارات نيابيّة ملزمة لتكليف رئيس الحكومة الجديد (أو القديم). تارةً، يؤخر مواعيد الاستشارات دون تبرير، وتارةً أخرى يُبرّرها بأنها فسحة للتوافق قبل تحديد إسم رئيس الحكومة العتيد.
ولا تقتصر تلك المخالفات عند هذا الحد، فالرئيس المؤتمن على حماية الدستور، غالباً ما كان يربط التكليف بالتفاهم على التأليف، مخترعاً سابقة جديدة تُضاف إلى “السوابق” الأخرى التي “إرتكبها” في تكريس أعراف جديدة تتناقض مع روحيّة الدستور.
المسألة واضحة وضوح الشمس ولا تحتاج إلى مبالغاتٍ في ممارسة الصلاحيّات. رئيس الجمهوريّة يفترض به الدعوة إلى الاستشارات النيابيّة في مهلة زمنيّة معقولة، وفي حالة الإنهيار اللبناني، من المنطق ألا تتعدّى مهلة كهذه سوى أيّام معدودة، إفساحاً بالمجال أمام الإسراع في تأليف حكومة جديدة تتولى زمام الأمور حتى إنتهاء العهد الرئاسي الذي ليس هناك ما يبرّر التفكير بالالتفاف على أحكام الدستور وإختراع حجج واهية لبقاء الرئيس في بعبدا بعد نهاية تشرين الأول المقبل.
لقد أدّى هذا الاستسهال المتكرر للدستور، وغياب آليّات المحاسبة والمساءلة، إلى إستسهال في إستيلاد تفسيرات وتأويلات وإجتهادات دستوريّة لا تمت إلى روحيّة النص وأهدافه، ودوماً في سبيل المصلحة السياسيّة الفئويّة الخاصة. وها هي المواقف السياسيّة التي تتوالى اليوم عن إحتمال عدم إجراء الإنتخابات الرئاسيّة في مواعيدها الدستوريّة المحددة تمهّد لخروقٍ جديدة في هذا الإطار.
لا يحتاج رجال الدولة إلى دروس في ثقافة إحترام الدستور، فنيلهم هذا اللقب منوط أساساً بإمتلاكهم لهذه الثقافة التي يمكن لهم من خلالها، ومن خلالها فقط، تولي إدارة الشأن العام بمسؤوليّة وعقلانيّة وإتزان وهدوء. من خلال هذه الثقافة، يمكنهم إدارك أهميّة موازين القوى الداخليّة في بلد مركب ومعقد مثل لبنان حيث تتداخل العوامل السياسيّة والطائفيّة والمذهبيّة والمناطقيّة في كل مجالات إدارة شؤون الدولة.
إن الإنطلاق من هذه الثوابت يبدو ضرورياً على مشارف الاستحقاق الرئاسي بحيث يتمكن اللبنانيون من بناء أحلامهم مجدداً ومن رؤيتها تتحقق بدل أن تتكسر على دروب الهجرة والقلق والخوف.
مواضيع مماثلة للكاتب:
7 أكتوبر: منعطف جديد في الشرق الأوسط! | لبنان يُهمَّشُ أكثر فأكثر! | إلى متى انتظار تطورات المشهد الإقليمي؟ |