التدقيق الجنائي: الشركة المخدوعة والإنتقام المفضوح
منذ اليوم الأول الذي وقّعت فيه حكومة دياب عقد التدقيق الجنائي مع شركة Alvarez & Marsal، كان اللبناني على يقين أنّ تحقيقهم هذا لن يصل إلى نتيجة، ليس لأنّه فقد الثقة بحكّامه فحسب، بل نتيجة جملة مؤشرات، بدأت باستبعاد شركة kroll المتخصّصة في التدقيق الجنائي بحجّةٍ “مُمَانِعة”غير ذكية، مفادها أنّ الشركة تتعامل مع إسرائيل، ثم أوكلوا المهمة لشركة أخرى غير متخصصة بالتدقيق الجنائي، متعاملة مع إسرائيل بطبيعة الحال، شأنها شأن كلّ الشركات العالمية. بعدها راحوا يتساجلون حيال تعارض التدقيق مع القوانين اللبنانية من عدمه، سجالهم هذا برز بنسخته الأقوى داخل فريق “لبنان القوي” بين وزيرة العدل التي أصابتها سهام النائب ابراهيم كنعان، نعتها الأخير بوزيرة اللاعدل فردت النعتة بأحسن منها ووصفته بـ”رئيس لجنة انهيار المال”.
ظاهر الصراع قانوني، يتمحور حول رأيين، أحدهما يعتبر أنّ التحقيق لا يتعارض مع القوانين اللبنانية، ومنها قانون السرية المصرفية، كونه يشمل حسابات عامة وليست خاصة، والوزيرة نجم من أنصار هذا الرأي، وآخر يرى فيه تعارضًا مع القوانين، ومنهم كنعان، ولكن خلف الصراع القانوني صراعات من نوع آخر، بعضها يكمن في حصر التدقيق بحسابات مصرف لبنان دون أن يشمل الوزارات التي أهدرت الأموال، في خطوة اعتبرها البعض بأنّها تصفية حسابات مع الحاكم رياض سلامة. بالنتيجة انتهت المهلة المعطاة للشركة قبل أن تحصل على المستندات المطلوبة، مددوا لها ثلاثة أشهر، ولكنها اختصرت الطريق واعتذرت عن إكمال المهمة “المستحيلة”. أكثر من علامة استفهام تُطرح حول عقد التدقيق من الأساس، بنظر الخبير الإقتصادي والمالي دكتور بلال علامة “إفشال التدقيق هو ضربة بالصميم لما يُسمى الحكم الرشيد، ومؤشر على الدولة الفاشلة. وهناك أكثر من سؤال عن سبب إرساء العقد مع هذه الشركة بالذات، خصوصًا أنّها أبلغت الحكومة اللبنانية أنّ التدقيق الجنائي ليس من اختصاصها. كما أنّ محاولة تمديد المهلة شابها أيضًا لغط، بحيث سمعنا من الوزير غازي وزني خبر التمديد من القصر الجمهوري، بالمقابل وفي اليوم نفسه ظهرت وزيرة العدل ماري كلود نجم في السراي الحكومي، تتحدث عن عدم الحاجة للتمديد، وأن لا سرية مصرفية على الحسابات المالية العامة، وأنّ على مصرف لبنان تسليم المستندات فورًا، فبان التناقض الوزاري حيال التمديد، وحيال كيفية التعاطي مع الشركة”.في خلفية الموضوع يرى علامة في حديث لـ “لبنان 24” أنّه استهداف لمصرف لبنان دون الدخول بفتح الملف المالي في لبنان ككل. “ما طرحته وزيرة العدل مثير للإستغراب، فهي وإن كانت تعطي رأيًا قانونيًّا بما يتعلق بعدم خضوع حسابات مصرف لبنان للسرية المصرفية، نعلم أنّ حسابات المركزي مكشوفة أمام مفوّض الحكومة بشكل كامل، وبالتالي كلّ المستندات كما القرارات خاضعة لرأيه، وفي الآونة الأخيرة عيّنوا مفوضًا للحكومة محسوبًا عليهم، فلماذا لم يعمد الأخير إلى نقل المستندات المطلوبة من المركزي إلى وزارة المالية، وقامت الأخيرة بتسليمها للشركة؟ هذه أكبر علامة استفهام، ثمّ لماذا الإصرار على جعل حاكم مصرف لبنان يرتكب مخالفة يعاقب عليها بموجب قانون النقد والتسليف، وكأنهم يبتغون توريطه بإشكال قانوني ليطاله العقاب”. في السياق نفسه لفت علامة إلى أنّ مصرف كان قد وقّع عقدًا مع المصرف المركزي الفرنسي، للتدقيق في حساباته، يحدّد ما إذا كان مصرف لبنان يخالف القوانين والأنظمة المرعية الإجراء بعمل المصارف المركزية.
التدقيق الجنائي مدخل وشرط أساسي للإصلاح المطلوب، ومن دونه لا تفاوض مع الجهات المانحة سواء من خلال صندوق النقد الدولي أو غيره. وبالتالي ماذا بعد اعتذار الشركة عن إكمال مهمتها؟ هل طويت مرحلة التدقيق في لبنان؟