بمرتبة متأخرة في مؤشر السلام العالمي لبنان يستقبل سُيَّاحه مفتقراً لأبسط متطلبات العيش
كتب مازن مجوز لـ “هنا لبنان”:
مع اقتراب إعطاء إشارة انطلاق الموسم السياحي في لبنان، الموعود بملايين الوافدين ومليارات الدولارات، وإعلان وزير السياحة تحضير رزم سياحية مشجعة على أكثر من مستوى وفي أكثر من معلم ومؤسسة وبلدية سياحية. برز احتلال لبنان المركز ١٣٨ في مؤشر السلام العالمي عالمياً والمركز ١٣ عربياً، الصادر عن معهد السلام والاقتصاد العالمي في أستراليا. فهل لذلك تأثير على حركة السياح المنتظرة؟ وعلى النهوض مجدداً من كبوته؟ وماذا عن الرهانات عن أن لبنان سينجح في التقاط أنفاسه نتيجة هذا الموسم؟
في الواقع يبرز الاستقرار السياسي والأمني كأحد أبرز العوامل المطلوبة لازدهار أو لإنعاش (بالحد الأدنى) القطاع السياحي في أي بلد، فالمعادلة بسيطة إذ كيف يمكن لأي سائح أن يقصد أي بلد لأيام وأسابيع (ومنهم مع عائلاتهم) في حال كان هذا البلد يفتقر إلى السلام والهدوء والاستقرار، مهما كانت الأسعار رخيصة والمغريات والأنشطة متنوعة؟
وتعليقاً على مدى تأثير المركز المشار إليه على الموسم الموعود يرى الباحث في الاقتصاد السياسي والاجتماعي الدكتور طالب سعد في حديث لـ “هنا لبنان” أن وضع لبنان متقلب بالنسبة للمؤشرات الأمنية والسياسية، وبالتالي هو بالنسبة للسياح الأجانب ليس بلدًا مطمئنًا، بدليل التحذيرات التي تطلقها العديد من الدول لرعاياها في لبنان بين الفترة والأخرى، وتارة أخرى يعدون لبنان وبسبب الكورونا في red zone ، ولا زلنا نعيش تقلبات في مراحل الاستقرار السياسي والأمني والصحي، ناهيك عن الوضع الاقتصادي المزري”.
إذن البلد مفتوح على كل الاحتمالات، وليس ما نراه اليوم من تهديدات متبادلة بين حزب الله وإسرائيل حول حقل كاريش، وتسجيل أول حالة لجدري القردة في لبنان منذ أيام وارتفاع الإصابات بفيروس كورونا مجدداً، والطوابير والإشكالات أمام الأفران وتفاقم أزمة الخبز، والضبابية التي تلف مشهد تأليف الحكومة، سوى أجزاء من المشهد المتأزم العام، ليبقى السؤال هل انهيار الإدارات العامة تفصيل بسيط على خارطة أوسع على أبواب هذا الموسم؟
بالنسبة إلى سعد، فإن السياحة الأجنبية باتت خارج معادلة السياحة اللبنانية “باتت هناك دول منافسة لنا سياحياً مثل تركيا ومصر ودبي وهي دول تتمتع بمقومات أفضل سياسياً وأمنياً وسياحياً، واليوم بالرغم من أن قطاعات الفنادق والمطاعم تؤكد أن نسبة حجوزاتها مرتفعة، وهذا ممتاز بالنسبة للظروف المحلية، لكن هل هذا مؤشر كفيل باعتباره سيؤدي إلى نهوض القطاع من كبوته؟ بالتأكيد لا. والسبب أن المشكلة تعمقت أكثر من أي فترة سابقة من الأزمات الأمنية والسياسية التي تخبط بها لبنان”.
واللافت أنه في المفاهيم الاقتصادية عندما تنخفض عملة بلد ما، فهذا يشكل عامل جذب بالنسبة للسياح لأن البلد يصبح رخيصًا نسبياً وعندها تنشط السياحة. وهنا يبدي سعد أسفه “لا نعرف كيف نستفيد من السياحة المرتبطة بغير اللبنانيين، أما المغتربون فيحركون النشاط الداخلي نتيجة زياراتهم لأهاليهم وعائلاتهم في البلد”.
كل هذه الوقائع لا تعني أن لبنان لم يعد يتمتع بميزة تفاضلية نتيجة الخدمة المميزة المشهور بها في المطاعم والفنادق، وتلك التي يقدمها العامل البشري. وهنا يستدرك سعد “لكن المشاكل التي يعاني منها لبنان بنيوية في اقتصاده وليست ظرفية، وهذا ما ينعكس على كل القطاعات، بما فيها قطاع السياحة. ليسأل: عن أي موسم سياحي واعد يتحدثون في ظل تقهقر الدولة وبنيتها التحتية من الماء إلى الكهرباء والهاتف وصولاً إلى الإنترنت؟ وفي الواقع الكثير من العائلات لولا اعتبار الرابط العائلي لفكرت بالبدائل المذكورة أعلاه.
بالإضافة إلى كل ذلك، لقد اختلفت نوعية السائح الذي يزور لبنان، إذ يوضح سعد أن الخليجي لم يعد يزور لبنان، ونرى السائح العراقي والمصري نموذجين لم يكونا يدران مداخيل كبيرة مماثلة لما كان يأتي لبنان من السياح الخليجيين، وكذلك السائح الأوروبي لا يقدم فائضًا في القيمة المادية المنتظرة من شريحة السياح التي لطالما كانت تزور لبنان، وأيضاً لا ننسى أن الظروف في لبنان غير مطمئنة بالنسبة للخليجيين وكذلك للأوروبيين، وحالهم ليست على ما يرام بفعل الحرب الاوكرانية – الروسية .
وفي الختام ربما لا يسعنا سوى القول “أهلاً وسهلاً بس ما تواخذونا نحن بلا كهربا ولا ماي ووسط بيروت مهجور والبنزين يمكن يكون موجود ويمكن لا، أما الخبز فمش متوافر إلا بالسوق السودا”.
مواضيع مماثلة للكاتب:
“ابتكار لبناني”.. أملٌ واعد لفاقدي البصر! | بين القوننة والأنسنة.. هل تهدّد التكنولوجيا أطفالنا؟ | لبنان غنيّ بالمياه الجوفية العذبة.. ثروة مهدورة بلا استثمار! |