لا كهرباء، لا دولة
كتب راشد فايد لـ “هنا لبنان”:
يجهد “حزب الله”، ومنابره الإعلامية، والمحاورون باسمه في وسائل الإعلام، في إخراج قضية سلاحه من أي نقاش، وها هو أمينه العام، في أحد ظهوراته المتلفزة يدعي أن سلاحه موجود ولم يؤثر على الحياة العامة منذ العام 2005، مستخفاً بعقول اللبنانيين، إلى حد إنكار “فضائله” من 7 أيار 2008 إلى تهريب الوقود والمواد الغذائية الأساسية عبر الحدود، وما بينهما من “إنجازات” هيمنته على اللبنانيين، وأبرزها حمل الجنرال ميشال عون إلى رئاسة الجمهورية بقوة الإرغام، وبتهديد الاستقرار الوطني، بعد فراغ دستوري فرضه لسنتين ونصف، وبعد 45 جلسة لمجلس النواب، أمسك بنصابها رهينة، في قاعة جانبية من مبناه، فإما عون وإما الفراغ، فكان عون الإختيار الأمثل لانحطاط البلد، والأنسب لاستراتيجية حضرة الأمين العام. وليس أقل أهمية من ذلك، قتال ميليشياه في سوريا والعراق واليمن، وحيث يستطيع سبيلاً، تلبية لاستراتيجية المرشد الأعلى الإيراني بينما حكومة بلاده، التي هي، مبدئياً، لبنان، تعلن النأي بالنفس عن أزمات المنطقة.
تشي هذه الوقائع، ومثلها كثير، بأن زمن الحروب في لبنان، وعليه، لمّا ينته، والفارق أن ما كان بين 1975 و1990 هو سيطرة ميليشيات تقاسمت الأحياء والشوارع والمناطق، جاءت محله الوصاية السورية، ثم حلّت، منذ اغتيال الشهيد رفيق الحريري، هيمنة آحادية ثم باتت ثنائية، علنية وواضحة، أحياناً، ومتوارية، وموارِبة، أكثر الأحيان، متلطية خلف مؤسسات رسمية في جل الأوقات، كاتمة ومتكتمة في كل حين على ابتلاعها الدولة، وتفتيت مؤسساتها.
في المقابل غرق اللبنانيون في المآسي اليومية، بعدما كانوا استسلموا لمنطق “لنا قرار السلم والحرب” ولكم ما تشاؤون من الصلاة والتقوى، أو النهب المنظم والفوضى المنتجة والمضبوطة.
توهم اللبنانيون أنهم يعيشون سلاماً وطنياً لا يهدده خلل، ولا يقض مضجع مستقبلهم كوابيس أزمات، ليس لأن الحال هي كذلك، بل لأنهم أدمنوا، وحتى تمسحوا، تجاه العيش المهين الذي لا يليق بهم، ويردهم إلى أسفل السافلين في سلّم الجماعات والدول، وهم كما انساقوا، في الماضي القريب، إلى حروب نفّست ضغائن وعداوات العالم، ومنه المنطقة، على حسابهم، وفي بيوتهم وأحيائهم وقراهم، ها هم في المعبر نفسه، ليس منذ اليوم الراهن، بل منذ صمت الجميع، وفي الطليعة الأشقاء العرب، والأصدقاء الغربيين، على “الترجمة “الأسدية” لـ “اتفاق الطائف” الشهير. ولا يزال الحال نفسه في ظل ما يسمّى اليوم، “قواعد الإشتباك” بين الحزب وإسرائيل والتي تذكّر بمصير ساحة الشهداء في وسط بيروت إبان حروب الـ 15 سنة حين توافق المتقاتلون، ضمناً، في شرقها وغربها، على استمرار المناوشات بينهم من دون أن يتقدم أحدهما للهيمنة على مواقع خصمه، إلى أن أجبرت التحضيرات الدولية لمؤتمر مدريد للسلام الأطراف الدولية والإقليمية المتواجهين على تجرع ترياق الطائف كي يكون للبنان مقعد إلى طاولة المفاوضات التي كتب لها الفشل.
ألغت “الترجمة السورية” للطائف الدولة اللبنانية، وجعلتها كما دولة بيلاروسيا في كنف الإتحاد السوفياتي البائد: لها مقعد في الأمم المتحدة، لكنها تصوت وتقر ما تريده موسكو، حتى أن كثيرين يتذكرون هزء وزير الخارجية المصري، يومها، بنظيره اللبناني (فارس بويز)، خلال اجتماع لوزراء الخارجية العرب في القاهرة، لاضطراره إلى ترك زميله السوري (فاروق الشرع) يرد، نيابة عنه، على أحد التساؤلات المحرجة عن قرار لبنان.
خرج الجيش السوري في 26 نيسان 2005، وأمسكت إيران، مذّاك، القرار اللبناني بقفازات “حزب الله”، الذي كان صادر تحرير الجنوب من الإحتلال الإسرائيلي، وهمّش المقاومين الآخرين، واحتكر، أرضاً ومعنوياً، أدوارهم وتضحياتهم، وأدار توازنات الداخل، وبات محور الحياة العامة، فعلاً ورد فعل، وسخّر إمكانات لبنان ووارداته لخدمة نهج طهران – دمشق، وبهذا الترتيب، وما المعابر البرية والبحرية والجوية إلا شهادات يومية لا تواريها قافلة المازوت الإيراني الشهيرة. فهل انتهت الحرب في لبنان؟
كانت حروب 75-90 على أرض لبنان، وفيه، فيما يعيش اللبنانيون اليوم حروباً عليهم، هي امتداد لما سبقها، وبصورة أسوأ: كان اختفاء الخبز حالة عابرة، فاستقرت اليوم، وكان للوقود، بكل أوجهه، طوابير عند المحطات، تحضر وتختفي، فيما باتت “تراثاً” اليوم. وكانت عادة الكهرباء أن تحتجب أحياناً، فصارت تغيب كل الأحايين.
كل ذلك استفحل اليوم، فهل يمكن للبناني أن يقول إن الحرب انتهت؟
لو كان ذلك حقيقة لكانت الكهرباء خرجت من ألاعيب الفساد السياسي المتوحش الذي بات “رياضة وطنية”: لا دولة، لا كهرباء. ولا كهرباء، لا دولة. وكيف يكون لبنان دولة، وعصب الحياة فيه تائه بين معمل سلعاتا وسد المسيلحة؟
مواضيع مماثلة للكاتب:
الجرموز | من سيسرق المليار؟ | قربة مثقوبة |