استهداف الكنيسة: باسيل يلعب بالنار
كتب أسعد بشارة لـ “هنا لبنان” :
في العام 1989 أوعز العماد ميشال عون إلى انصاره بأن يقتحموا بكركي، ففعلوا ما فعلوه، وأهانوا الصرح والكنيسة والبطريرك نصرالله صفير، كل ذلك لأن البطريرك صفير وافق على اتفاق الطائف، الذي تلاه انتخاب رينيه معوض رئيساً، خلافاً لجموح العماد عون، الذي طرح معادلة، “إما انا الرئيس أو أهدم الهيكل على رؤوس الجميع”. لم يكن ذلك الاعتداء مجرد صدفة، بل كان الهدف منه ترهيب الكنيسة، التي لها الدور والموقع التاريخي والكلمة المهابة، التي لا ترتبط بمصالح الاسترئاس والاستحواذ على السلطة، ولو على أنقاض الانهيار.
منذ يومين أعاد التاريخ نفسه، فلقد تعرض مطران الأراضي المقدسة، موسى الحاج، إلى التوقيف أثناء عودته من إقامته الراعوية، فتم توقيفه لمدة ثماني ساعات، وتفتيش هاتفه، بإشارة من القاضي فادي عقيقي إياه، الذي شاهد الجميع أداءه في أحداث الطيونة، وهو المقرب من جبران باسيل، والذي لا يتحرك إلا بالتنسيق مع دوائر حزب الله. كما شاهد وربما سيشاهد الجميع مسلسل ترهيب بتوقيع واضح استهدافاً للكنيسة، قد يكون أسوأ مما فعله العماد عون في العام 1989. إنها المدرسة نفسها، إنه الاسترئاس نفسه، إنها الخسائر الفادحة التي لم يعد بالإمكان حصرها، والتي يتوقع أحد المجربين في السياسة، أن تتضاعف في الأشهر الثلاثة الأخيرة من العهد، أضعافاً، وأضعاف.
أن يتم توقيف مطران ماروني بإشارة قضائية، فهذا ممكن إذا أثبت بالدليل القاطع أي تورط بجريمة لا تغتفر، لكن أن يتم الرد على البطريرك الراعي الذي يخوض معركة السيادة، ومواجهة انتخاب رئيس دمية، بتوقيف مطران، فهذا فعل يمكن أن يرهب طرفاً سياسياً يربطه بالشأن العام مصالح وتلجمه مخاوف. أما أن يعتقد من أوقف المطران الحاج، أن كنيسة متجذرة، واجهت عواصف وأمبراطوريات في مراحل سوداء لمئات السنين، ستفقد توازنها، أمام مدرسة تركيب الملفات، وأمام مسترئس حلمه لا يتجاوز نسمة الهواء في فنجان قهوة، فهو واهم يلعب آخر أوراقه، بتسرع وانفعال.
لقد أزعج البطريرك الراعي الكثيرين بوضعه مواصفات الرئيس الجديد، كما أن مواقفه الثابتة في السيادة لم ترق لحزب الله، وتسلل هذا الانزعاج إلى مكتب القاضي فادي عقيقي، وترجم بإجراء أرعن بحق الكنيسة، وكأن هناك من يرسل رسالة للراعي مفادها: “لست أنت من تضع مواصفات الرئيس” و”كفّ عن التمسك بمواقفك وانكفئ”.
لا تقتصر الرسالة الرعناء إلى الكنيسة بسبب مواصفات الرئيس السيادي، بل بسبب الموقف من خرق السيادة على يد السلاح، وهنا تكاملت الرسالتان، بإجراء واحد، يحقق للمسترئس هدفاً يعتقد أنه يساعده في تمهيد الطريق إلى القصر، وهذا لعب بالنار مع أكبر مرجعية دينية، ويحقق لراعي المسترئس هدفاً يعتقد أن به يستطيع إسكات صوت الكنيسة المزعج رفضاً للوصاية والسلاح.
كما لا تقتصر الرسالة على الراعي، بل تهدف لإحراج قائد الجيش العماد جوزيف عون، الذي أجهض كميناً كان معداً للجيش في الطيونة، وهو اليوم يواجه كميناً وطنياً نصب له، في توقيف المطران الحاج.
ليس صدفة أن يستهدف البطريرك الراعي والكنيسة قبل الانتخابات الرئاسية، فمواصفات الراعي تعني أنه مصمم على استعمال حقه برفض استمرار النهج القديم، الذي أنتج ما أنتج من خراب، ولهذا لا يتوقع لحملة الترهيب الصبيانية أن تتوقف، لا في روما ولا في بيروت، لا بإرسال العرائض والوشايات إلى الفاتيكان، ولا باستعمال قاضٍ معروف التوجه، لتوقيف مطران عائد من رعاية رعيته.
لم يسبق للكنيسة الضامنة للكيان والمؤسسات أن خضعت للابتزاز. فلا البطريرك المعوشي اهتز أمام الحملات، ولا البطريرك صفير، تراجع عندما اقتضت الضرورة التاريخية أن يقول كلمته، ولن يحيد البطريرك الراعي عن أسلافه، لأن مواقف الكنيسة في المحطات المصيرية ليست صناعة ذاتية على قياس شخص البطريرك، بل كلمة شجاعة لها قوة معنوية مستمدة، من شجر السنديان الذي يظلل جبال الموارنة، بلون الحرية.
مواضيع مماثلة للكاتب:
تفاؤل وهمي والحرب تتصاعد | لبنان على موعد مع أشهر صعبة | ترامب اللبناني |