يهرب حزب الله من ملفي الحكومة والرئاسة إلى الترسيم.. والفراغ يقضي على حظوظ مرشحي الحزب لمصلحة “القائد”
كتب طارق وليد لـ “هنا لبنان”:
مع تراجع ملف تشكيل حكومة جديدة “لأن الوقت ضيق لا يسمح بذلك”، وفق أحد الوزراء، ومع الغموض الذي يكتنف ملف الاستحقاق الرئاسي في انتظار أن تتوضح صورة التطورات في المنطقة، تتراكم الأزمات في الداخل في ظل غياب الدولة والفراغ في المؤسسات بسبب إضراب الموظفين والعاملين في القطاع العام، في شبه عصيان مدني، وكذلك الخضات والسقطات والخروقات التي تحصل، من “اقتحام” مصرف لبنان، إلى الادعاء على مدير إدارة المناقصات جان العلية، إلى توقيف المطران موسى الحاج راعي أبرشية حيفا والأراضي المقدسة والأردن ومصادرة جواز سفره وهاتفه والمساعدات الإنسانية التي كان يحملها، وتترك تداعياتها على العهد وفريقه السياسي رغم محاولته الإفادة من هذه “العراضات” لتوظيفها لمصلحة مشروعه ومصالحه. وقد انقلبت نتائج هذه العراضات غير المألوفة في لبنان، على العهد وفريقه السياسي، ولم ينجح في توظيفها فبات يتخبط خبط عشواء باحثاً عن مكاسب وإنجازات باتت سراباً قبل نهاية العهد.
لقد فقد العهد حلفاءه. حيث بدأ الحزب يبتعد عن ملف تأليف الحكومة الجديدة ويحاذر في الوقت الحاليّ مقاربة ملف الاستحقاق الرئاسي ويكتفي بدعوة جبران باسيل لمصالحة سليمان فرنجية استباقاً للاستحقاق ويدعم ترشيحه للرئاسة، لأن الحزب ومحور الممانعة يتجهان لطرح مرشح تحدٍّ سيكون إمّا فرنجية أو باسيل بوجه محور التحالف الأميركي. وينقل نائب من قوى 8 آذار عن مسؤول أمني قوله “أن لا شيء على صعيد الرئاسيات، فلا اتفاق داخليًّا بعد ولا توافق خارجيًّا كذلك. فالخارج مهتم بشؤونه وبالملفات الحيوية الأساسية الضاغطة التي فرضتها حرب روسيا على أوكرانيا مضيفاً أنّه لا بد من انتظار أول أيلول المهلة التي حدّدها حسن نصر الله لترسيم الحدود البحرية وبدء لبنان بالتنقيب، لتتوضح جملة أمور في الداخل والخارج وتتبلور صورة التسوية في المنطقة، والتي سيكون لها تأثيرها على الاستحقاق، إضافة إلى سعي قوى المعارضة وتلك المناهضة لمنظومة الحكم، لتوحيد الموقف من الاستحقاق الرئاسي.
إن الخارج يتمسك بالمواصفات التي حددها البطريرك وهي “أن يكون الرئيس متمرّساً سياسياً، صاحب خبرة، محترماً، شجاعاً، متجرداً، رجل دولة، حياديًّا في نزاهته، ملتزماً في وطنيّته، وأن يكون فوق الاصطفافات والمحاور والأحزاب، لا يشكل تحدّياً لأحد، وأن يكون قادراً على ممارسة دور المرجعية الوطنية والدستورية والأخلاقية”. على أساس هذه المواصفات سيتم اختيار الرئيس.
فما دام الموقف من الاستحقاق غير واضح داخلياً وخارجياً في انتظار وضوح الصورة في المنطقة، ينصرف حزب الله لإدارة ملف الترسيم البحري للحدود مع إسرائيل لأنه يرى فيه المدخل للمرحلة المقبلة وملفاتها وكذلك الاستحقاق الرئاسي. لذلك يؤكد نصر الله “أنّ الحرب ليست حتمية، ولسنا متأكدين أنّنا ذاهبون إلى حرب. وقد نشهد استهدافاً موضعياً ورداً يناسبه، والأمر مرتبط بالرد الإسرائيلي الذي قد يدحرج الأمور إلى الحرب”. وقد رد رئيس حكومة إسرائيل يائير لابيد بالقول “إن إسرائيل ليس لديها مصلحة في التصعيد ولكن عدوان حزب الله غير مقبول ويمكن أن يؤدي بالمنطقة بأسرها إلى تصعيد لا داعي له”.
وفي هذا السياق، يقول دبلوماسي عربي أن الأمور تسير نحو الاستقرار والهدوء في المنطقة وليس نحو الحرب لأن أحداً لا يريدها ولكنّ الخشية من حصول انزلاق نحو التدهور قد يدفع إلى الحرب.
ويقول اللواء عباس إبراهيم “إن لبنان بلد غنيّ وليس فقيراً فلنبحث معاً عن مصادر غناه ونخرجها من عباءة التقاتل والتنابذ والتناحر. إن مفاوضات الترسيم تسير، وقوة لبنان بوحدة موقفه. من المفترض أن يكون هنالك آلية جديدة في شهر أيلول مع عودة المبعوث الأميركي”.
المبعوث الأميركي آموس هوكشتاين سيزور إسرائيل لمناقشة التفاصيل بناء على طلبها بعدما استمهلته لإعطائه الجواب النهائي، لذلك ينتظر المسؤولون عودة هوكشتاين ليطلعوا منه على الموقف الإسرائيلي ويبقى السؤال كيف ومتى وأين سيتمّ الاتفاق: هل في الناقورة أم عبر زيارات مكوكية للوسيط لتل أبيب وبيروت، لتجنب تطبيع “البزنس” كما يقول حزب الله؟
مع اقتراب مهلة الشهرين لانتخاب رئيس وفق مواصفات بكركي تتكثف الاتصالات وزيارات المسؤولين الأجانب للبنان للمساعدة في تأمين مظلة للاتفاق على الرئيس العتيد الذي لم تتوضّح صورته بعد. إن الأسماء المرشحة تعطي الصورة لما ستكون عليه المرحلة المقبلة. لقد استخدم منسق المساعدات الدولية للبنان السفير بيار دوكان مع المسؤولين الذين التقاهم كلاماً قوياً وشديداً فاتّهمهم بالتقصير والتقاعس، واضعاً معادلة صندوق النقد أو المجاعة.
كما يمارس أكثر من مسؤول في الخارج الضغط لإجراء الانتخابات الرئاسية في موعدها كما حصلت الانتخابات النيابية رغم التهويل بتأجيلها. ودعا هؤلاء القوى السياسية إلى احترام الدستور وتطبيقه والتزام المهل الدستورية. ويحمّل الخارج القوى المسيحية المسؤولية في إنجاز الانتخابات الرئاسية في موعدها لأنه لا يكفي الاعتراض على إسناد صلاحيات الرئيس إلى حكومة تصريف أعمال، بل يفترض الضغط لانتخاب الرئيس.
إنّ الرئيس عون وفق الدستور لا يمكنه أن يبقى في بعبدا بعد منتصف ليل 31 تشرين الأول، وإلّا اعتُبِر مغتصب سلطة في عملية انقلاب على الدستور. إنّ بقاء عون يحتاج إلى تعديل للدستور وهذا غير ممكن دستورياً.
ويقول دبلوماسي غربي أن أمام اللبنانيين 100 يوم للاتفاق. فيما يستغرب خبير قانوني دستوري سعي البعض إلى الفراغ متجاوزين الدستور، إذ لم يخطر في بال المشترع أن يكون في لبنان أناس يفسّرون الدستور وفق مصالحهم وباتت بنوده وجهة نظر قابلة للتفسير والتلاعب بها! لقد اعتبر المشترع أنّ الالتزام بالدستور أمر واجب وملزم، فلا يجوز كل ست سنوات ابتداع أفكار ومخارج واقتراحات وفتاوى غب الطلب. لقد تبين أن حزب الله غير موافق على إحداث فراغ في الرئاسة لأنّ ذلك ينعكس سلباً عليه وعلى حلفائه ويفقده تالياً ورقة ضغط قوية أساسية تستخدمها إيران من خلال مرشّحي تحدٍّ في وجه المحور الأميركي العربي.
إن الفراغ يقضي على حظوظ مرشحي حزب الله ويعزز حظوظ وصول العماد جوزف عون الذي سيكون مدعوماً من المجتمع الدولي. وترى قوى سياسية في الداخل في وصول عسكري إلى السلطة بارقة أمل لخروج لبنان من أزمته بعدما فشلت القوى السياسية في الاتفاق على مرشح للرئاسة. يدعو الخارج اللبنانيين إلى التزام اللعبة الديموقراطية بعقد جلسة انتخاب بوجود عدة مرشحين يصل من يفوز وفق الدستور بدل أن يقتصر دور المجلس على البصم على من يختاره الخارج من دون أن يكون للقوى السياسية أي كلمة في الاختيار فيقتصر دورها على التصويت لمن تم اختياره.