غلطة السيّد مع بكركي بألف غلطة
كتب أحمد عياش لـ “هنا لبنان”:
ليست هي المرة الأولى، ولن تكون الأخيرة، التي يشتبك بها “حزب الله” مع بكركي. إنّها قصة قديمة، قدم ظهور الحزب على المسرح الداخلي في ثمانينات القرن الماضي كفصيل تابع مباشرة للحرس الثوري الإيراني. ومنذ ذلك الحين، ولغاية اليوم، توالت الشواهد على الهوّة العميقة التي تفصل الصرح المتجذّر في هذه البلاد منذ قرون، وبين هذا الفصيل اللبناني الذي صنعته إيران الثورة بعد نشوئها عام 1979.
على امتداد مسيرته التي بلغت حتى الآن 4 عقود، كان على “حزب الله” التعامل مع بطريركين هما: البطريرك الراحل مار نصر الله بطرس صفيّر بين عامي 1986 و2011، والبطريرك مار بشارة بطرس الراعي منذ العام 2011 ولغاية اليوم. وإذ بدا البطريرك صفيّر متشدّداً في مواجهة النفوذ السوري ومن ثم الإيراني كما ظهر جليًّا عشية الانتخابات النيابية عام 2008، غير أنّ البطريرك الراعي ومنذ 11 عاماً أظهر قامة مماثلة لسلفه مع الأخذ بالاعتبار تبدّل الأزمنة في لبنان والمنطقة والعالم.
لم يساوم البطريرك الحالي في مبادئه التي هي من مبادئ الكنيسة التي يترأسها. ولم يرق لـ “حزب الله” هذا الالتزام الذي تمارسه كنائس الشرق عموماً والمارونية خصوصاً في التعامل مع إسرائيل عام 1948 الذي هو أيضاً عام نكبة فلسطين. فهذه الكنائس تعتبر تلك الأرض، أرض المسيح. لا فرق عندها أن تكون دولة إسرائيل أم أراضي السلطة الفلسطينية التي نشأت بموجب اتفاقات أوسلو عام 1993.
عندما وصل النائب البطريركي في حيفا والأراضي المقدسة والمملكة الهاشمية المطران موسى الحاج صباح الاثنين في 18 تموز الجاري إلى معبر الناقورة، كان يعتبر نفسه آتياً من أرض المسيح وداخلاً إلى ارض المسيح منذ أن انتُخب مطراناً وسيّم أسقفاً وعيّن على أبرشية حيفا والقدس عام 2012. لم يخالجه شعور بأن الأموال والأدوية التي حملها من الرعية في إسرائيل ستكون “مستند” اتّهامه بالتعامل مع الدولة العبرية.
سيكون الاهتمام بسلوك مفوض الحكومة العسكرية فادي عقيقي الذي نفّذ هذا الاتهام، أو موقف العهد من هذه القضية التي مثلت ذروة استهداف المرجعية المارونية في أعوامه، من قبيل التفتيش عن ضائع، لأنّ “حزب الله” انبرى مباشرة للإعلان عن وقوفه وراء هذا الفصل القضائي الجديد، والذي رسم معالمه رئيس كتلة الحزب النيابية محمد رعد، ورئيس المجلس التنفيذي في الحزب هاشم صفي الدين، الذي لخّص المشهد بالقول: “التطبيع خيانة والموقف في العام 1982 و1983 كان سلاحًا، أمّا بعدَ أربعين عامًا أصبح الموقف، مقاومة سلاح صواريخ حتى تحرير القدس الشّريف”.
لكن ما دخل قضية المطران الحاج بما وصفه صفي الدين بعبارة “التطبيع خيانة؟”
المواقف التي أدلى بها البطريرك بالأمس في الديمان سواء في عظة الأحد أو في الكلمة التي خاطب بها الحشود التي أمت الصرّح، تمثل وثيقة تاريخية لتوضيح موقف الكنيسة المارونية من الرعايا المسيحيين عموماً والموارنة خصوصاً في إسرائيل. لكن من المؤكد أن “حزب الله” يقرأ في الكتاب الإيراني، فعبثاً ننتظر منه اقتناعاً بما صدر عن بكركي.
لتقريب الموضوع إلى الأذهان، نعود إلى الفترة من عام 1923 إلى عام 1948، حيث كانت هناك سبع قرى في فلسطين الانتدابية، معظم سكانها من الشيعة، وهي: تربيخا، صلحا، المالكية، النبي يوشع، قدس ( بالانكليزية Kadass ) لتمييزها عن القدس، هونين، وآبل القمح. وقد نقلت هذه القرى من المجال الفرنسي إلى البريطاني نتيجة لاتفاق الحدود المبرم في عام 1923. وقد تم إخلاؤها جميعها من سكانها خلال الحرب العربية-الإسرائيلية. وتقع مواقعها السابقة الآن شمال إسرائيل.
منذ 74 عاماً، تاريخ نشوء دولة إسرائيل، لم تدخل هذه القرى في الأدبيات المطالبة بعودتها إلى لبنان. وكان “حزب الله” خارج السمع كليًّا على هذا الصعيد منذ تكوينه قبل 40 عامًا.
في المقابل، تشرح إحدى الوثائقيات حول حرب 1948، أن المسيحيين لعبوا دوراً تاريخياً بأن أبقوا الناصرة مسيحية رغم المحاولات الإسرائيلية لتهويدها. وهذا بالفعل ما فعلته ولا تزال الكنيسة المارونية، وهو ما كان يفعله المطران قبل أسبوع في إسرائيل.
كنّا نودّ أن نعفي السيد حسن نصر الله الأمين العام للحزب من المساءلة على هذا المستوى، لكن اضطراراً نستعير القول المأثور “غلطة الشاطر بألف غلطة”. لقد ارتكب الحزب بحق بكركي غلطة فادحة فلعله ينتبه إلى ذلك قبل فوات الأوان!
مواضيع مماثلة للكاتب:
تفاؤل بري وابتسامة لاريجاني | “مرشد” لبنان و”بطريرك” إيران | تفليسة “تفاهم” مار مخايل في عملية البترون |