بين مالك وسينتيا
كتب راشد فايد لـ “هنا لبنان”:
أنور مالك، واسمه الحقيقي نوار عبد المالك، ضابط جزائري سابق، محامٍ وكاتب وصحافي، حالياً، ورئيس المرصد الدولي لتوثيق وملاحقة جرائم إيران، والأمين العام السابق لمنظمة هيومان رستارت في الاتحاد الأوروبي.
فر من بلاده عام 2006م، وتحصّل على اللجوء السياسي إلى فرنسا بعدما تعرّض للسجن والتعذيب، وكانت قصّة سجنه وتعذيبه من أشهر القضايا الحقوقية في الجزائر.
شارك أنور مالك أواخر عام 2011م في بعثة مراقبي جامعة الدول العربية في سوريا، لكنه أعلن انسحابه منها لاحقاً وقدَّمَ شهادة على القمع الذي قال أن نظام الرئيس بشار الأسد مارسه ضد المعارضين. وقد أحدث ضجة عالمية كبرى، حتى صار خبر استقالته واحتجاجه على قتل المدنيين حيّز تسابق للفضائيات العالمية والصحف الدولية وكبرى الوكالات، ورأى المحللون في استقالته أخطر ضربة واجهها نظام بشار الأسد، ومن بعدها انتهت مهمة بعثة المراقبين العرب وأحيل الملف إلى مجلس الأمن.
تعرض أنور مالك لمضايقات كثيرة من المخابرات السورية، وهاجمه الإعلام الرسمي وأيضاً الموالي في لبنان لا سيما التابع لحزب الله. اعتُدِيَ عليه في نيسان 2012م في تولوز بفرنسا وقدم في 25 من الشهر نفسه شكوى للشرطة في فرنسا وأخرى قضائية في سويسرا متهماً المخابرات السورية بتدبير الاعتداء.
ربما يتساءل القارئ عن مناسبة هذا السرد، ومبرر “غوغلة” هذه المعلومات. الجواب، في كل بساطة، ما تعرضت له النائبة سينتيا زرازير وما ترك عليه المكتب، الذي تسلمته، من قذارة مادية ومعنوية، من مجلات إباحية ورسومات جنسية وطعام فاسد، إضافة إلى منع وصولها إلى مرآب لسيارتها، والتنمر على اسم عائلتها. كل ذلك ذكّرني بكتاب لمالك حوى خفايا ما واجهته البعثة العربية في مهمتها السورية، وما افتعلته المخابرات السورية لتضليلها وحرفها عن دورها، ومحاولات توريط أعضائها في لا أخلاقيات لا تليق بهم ولا بما كلّفتهم به الجامعة.
من ذلك، أن تطلب البعثة، بناء على معلومات سرّية وصلتها، تفقد منطقة من مناطق القتال للتأكد من تعمّد النظام تدميرها، فيرافقهم المعنيون الرسميون بالمهمة من الموظفين والعسكريين السوريين إلى منطقة غيرها بعد أن تبدّل الجهات المعنية في النظام ملامحها، فيوضع اسم المنطقة المنكوبة على موقع الزيارة “السليم”، ويجبر الأهالي على التبسم والأطفال على اللهو.
هذا في الحد الأدنى من التذاكي البدائي، والتصرّف “الولّادي”، أما في الحد الأقصى، أو ما يقاربه، فكان دس حبوب “الفياغرا” في عشاء البعثة، لتتغلغل، إثره في الفندق، “بعثة رسمية” من بنات الهوى لإغواء الزائرين الذين سقط واحد منهم في “التجربة”، وهو من العسكريين، فاستعادته حكومة بلاده قبل أن تلغي الجامعة مهمة البعثة بالكامل.
يتشابه ما جرى في دمشق في 2011 مع ما واجهته النائبة زرازير (واسم عائلتها هو اسم نوع من العصافير) يوم الثلاثاء في “حرم” مجلس النواب، و”حرم” ليست تسمية عبثية، إذ تعني أن المكان هو ذو مكانة خاصة، دينية أو دستورية، أو ما يدانيهما.
وجه التشابه هو في الصغارة التي ينطوي عليها الحدثان، ويجمعهما أيضاً استحالة تبرئة “الجناة” لأن الرابط بين السبب والمسبب لا يمكن فصمه، وإذا كان الماضي قد انطوى في سوريا، فإنه لمّا يزل حاضراً في لبنان، ما يسمح باستعراض التفاصيل، من نوع من يمكنه الولوج إلى مقر التشريع اللبناني، ومن يختار ما يسمى شرطة، أو حرس، مجلس النواب، وألا يجوز عدم استغراب ما واجه النائبة، طالما أن الأمينين على المقر هم أنفسهم من لم يتورعوا عن اقتلاع عيون ثوار 17 تشرين الأول 2019 بلا تردد، ولا مخافة… ولا تحقيق قضائي. وسؤال أخير، ألا يفترض أن الأمانة العامة هي المسؤولة إدارياً عن سلامة المقر، ونظافته وأمانه، فكيف وهو عائد إلى الحياة العامة بعد سنتي “هجر” لم يلجه خلالها سوى الثقاة والمؤتمنون من أهل الولاء والإخلاص؟ فهل تركت مكاتب أخرى، غير مكتبها، بلا ترتيب، أم أنها وحدها في هذا المصاب، ومن هم “زملاؤها في هذا المقام؟”
لو كان لها “زملاء” في هذه الحالة لكانت الأمانة العامة تحدثت عن ذلك، لتبرّئ ذاتها من الفعل العمد، على الأقل.
ما بين 17 تشرين والسقوط الأخلاقي يوم الثلاثاء الفائت خيط رفيع اسمه تجذر العقلية الميليشياوية، وهيمنة استخدام منطق الاستقواء على استقواء المنطق، إلى حد أن بيان الأمانة العامة لمجلس النواب في توضيح ما حدث لم يتناول مصدر المجلات الخلاعية، ولا الواقيات الذكرية، ولا الطعام الفاسد، كأن كل ذلك لم يكن.
مواضيع مماثلة للكاتب:
الجرموز | من سيسرق المليار؟ | قربة مثقوبة |