الشامي لـ “هنا لبنان”: “العائق أمام بدء إعادة هيكلة القطاع العام هو خسارة السياسيين لأمجادهم المبنيّة على التوظيف العشوائي وخوفهم من ردة فعل الشارع”
كتب أنطوني الغبيرة لـ “هنا لبنان”:
مسيرة الإصلاح تبدأ من خطوة وخطّة. وفي ظلّ غياب الخطّة الرسميّة اللّبنانيّة الواضحة المطلوبة من صندوق النقد الدولي، وذلك بسبب غياب الجهة التي تتحمّل المسؤولية؛ في ظلّ عدم تشكيل حكومة وازنة بعد، منذ أكثر من شهرين ونصف على دخول الحكومة الحالية مرحلة تصريف الأعمال. كانت إحدى الخطوات الإصلاحية في الجلسة التشريعية منذ أيام إقرار مشروع رفع السريّة المصرفيّة في لبنان، كخطوة إيجابية لإظهار حسن نيّة أمام صندوق النقد.
وللإحاطة بمسار الشروط والخطوات الواجب اتّباعها أكثر، تواصل “هنا لبنان” مع الخبير الإقتصادي محمد الشامي الّذي أشار إلى أنّ شروط صندوق النقد الدولي الإصلاحية بحسب تصريحات الصندوق وليس الدولة اللبنانية تتراوح بين أربعة وستّة شروط بحسب قراءة كلّ خبيرٍ.
وإذا أردنا اختصارها بأربعة شروط كبرى فهي تتجلى أولاً بإعادة هيكلة مطلقة للقطاع المالي والمصرفي في لبنان؛ إعادة تقييم المصارف ودمج بعضها وإفلاس بعضها الآخر ولغاية اليوم لا يوجد توصية رئيسية حول هذا الشرط، ولا دراسة علمية تتم لإعادة هيكلة المصارف وهذا أمر خطير.
أمّا الشرط الثاني فهو إصلاحات مالية تتضمن إعادة هيكلة الدين العام – حيث لم تُتّخذ أي خطوة للتفاوض مع الدائنين من قبل الدولة اللّبنانيّة – وترشيد الإنفاق الإجتماعي وزيادة الإستثمار وتحسين البنى التحتية؛ وبحسب الشامي هنا المدخل نحو إتجاه لبنان إلى قطاع صناعي – إنتاجي. لذا علينا علمياً البدء بتحسين البنى التحتية للحصول على نتيجة فعّالة لجذب الرساميل والإستثمارات.
الشرط الثالث يكمن بتعزيز أطر الحوكمة ومكافحة الفساد وتمويل الإرهاب، الّذي يتداخل مع الإصلاح المالي ومع إعادة هيكلة القطاع العام الّذي هو الشرط الرابع.
لكن ماذا لو بدأ لبنان بتطبيق الإصلاحات المتعلّقة بالقطاع العام؟
إصلاح مؤسسات الدولة وإعادة هيكلة القطاع العام مع التشديد على مؤسسة كهرباء لبنان لأنها تعتبر من أكبر مراكز الفساد في الدولة، يُعتبر شرطاً حساساً جداً اليوم بحسب الشامي. ومؤسسة كهرباء لبنان تشبه مؤسسات ووزارات أخرى كالإتصالات والتربية وغيرها… بالإضافة إلى التوظيف السياسي والخدماتي العشوائيّ، فهذه الوزارات لا تؤدي دورها الخدماتي. بالنسبة لصندوق النقد فالإصلاح يجب أن يبدأ من داخل المؤسسات العامة مع تعزيز أطر الحوكمة.
موضحاً، شهدنا منذ بضعة أيام إقرار قانون السرية المصرفية الّذي لا يخدم الإصلاحات بصيغته الحالية، لأنه ما زال هناك مؤسسات تتعاطى الشؤون المالية خارج قيود الدولة لم يلحظها القانون كالقرض الحسن. وهناك قدرة على التهرب الضريبي في هذا القانون والاعتماد على الثغرات القانونية بسبب غياب أطر واضحة. ولم يتجرأ أهل السياسة على البدء بشرط إعادة هيكلة القطاع العام بسبب خوفهم من ردّة فعل الشعب. المساس بالوظائف سيشعل غضب الشارع بشكل رهيب بمجرد ذكر فكرة أن نسبة مئوية من موظفي الدولة سيتم توقيفهم عن العمل، في الوقت الّذي أكثر من ٥٠٪ منهم هم زيادة عدد.
وأكمل، ستّة دولارات على واتساب أشعلت ثورة تشرين منذ سنتين، اليوم البدء بإصلاحات القطاع العام والتي يجب أن تبدأ، سيشعل ثورة أكبر. إصلاح القطاع العام هو الأساس والبدء به هو ضرورة كون معظم نسب الإنفاق في موازنات الدولة مقسمة على ٣ أجزاء، الكهرباء، خدمة الدين والرواتب والأجور!
مضيفاً، كيف بإمكاننا الضحك على أنفسنا من خلال إستعمال عبارة موازنات تقشّفية ولا يوجد مساس بالأجور؟!
وأوضح الشامي، لا يمكننا نكران أن سلسلة الرتب والرواتب هي إحدى الأسباب المباشرة والأساسية التي أدت بنا إلى دخول هذه الأزمة، فعند طرحها كانت ٨٠٠ مليار لنعود ونخرج منها بمبلغ ١١٠٠ مليار. نحن أمام دولة لا تعلم فعلياً عدد موظفيها وليس لديها أرقام واضحة عن المبالغ التي تدفعها كرواتب وأجور بسبب الخلل بالنظام بالإضافة إلى زيادة توظيف العشوائي السياسيّ غير المدروس. إلى متى سيستمر هذا الموضوع؟
مؤكّداً أنّ أي خطّة لن تلحظ النهوض بالقطاع العام وإعادة هيكلته سيكون فيها خلل. هناك عدّة أطر وإجراءات للبدء بالخطة، كتحديد الهيكلية الإدارية والعملانية لكل مؤسسة من مؤسسات الدولة وتحديد المرجوات الإنتاجية في كلٍّ منها؛ وبناءً عليه يحدد الطاقة الإستيعابية للعمال والموظفين. بعدها يخضع الجميع لفحوصات علمية في مجلس الخدمة المدنيّة، وبناء لكفاءة كل فرد في إختصاصه ومركزه الوظيفي ويتم إنتقاء الأفضل.
وختم، إعادة هيكلة القطاع العام ليست فقط شرطاً لصندوق النقد الدولي، ففي المؤتمرات السابقة كسيدر وباريس ١ و٢ و٣ كانت هناك مطالبة بإصلاح وإعادة هيكلة القطاع العام ووقف الهدر الذي لا يكون عن طريق موازنات تقشفية تخفف الإنفاق على المشاريع بل عليه أن يكون عبر خفض الإنفاق بالرواتب.
بمجرد إطلاق لبنان خطة لإصلاح القطاع العام سنكون أمام تأكيد للجميع أننا نبتعد عن الفساد وأنّ لدينا خطة جدية، وأي خطة خارج هذا المضمون تبقى فاقدة للإنتاجية المرجوة.
إذاً نحن أمام قنبلة إصلاحيّة موقوتة، صنّاعها أهل الفساد على مدى ثلاثين عاماً وضحيّتها شعبٌ لم يدرك أو لا يريد إدراك فسادهم على مدى هذه العقود. والنتيجة واحدة أزمة جديدة تلوح بالأفق!