“يعطيك العافية وطن”… ومن اليرزة إلى بعبدا
كتب طارق كرم ناشر “هنا لبنان”:
غريبةٌ هذه العبارة التي اعتدنا تكرارها عند الوقوف أمام حاجز للجيش اللّبناني. نحيّي العسكري على الحاجز بعفويّة، بعبارة: “يعطيك العافية وطن”. هذه الجملة تختصر نظرة اللّبنانيّ إلى المؤسّسة العسكريّة.
لم يجد اللبناني “الوطن” إلّا بالجيش. هناك مشاريع كثيرة ظهرت كبديلٍ عنه، من منظّمة التحرير الفلسطينيّة إلى قوّات الردع التي انتهت باحتلالٍ سوري، إلى أحزابٍ وميليشياتٍ لبنانيّة وغير لبنانية.. سقطت مشاريع الأمس كلّها، وخرج الجيش موحّداً بعد أن طاولته يد التقسيمات، علّها تنال منه. وسيسقط، عاجلاً أم آجلاً، المشروع البديل أو المرادف للجيش تحت مسمّى المقاومة وعناوين ومعادلات غريبة عن الجسم الوطني.
ولا بدّ، ونحن نحتفل بالعيد السابع والسبعين للجيش، أن نتوقّف عند الأدوار المختلفة التي تولّتها المؤسّسة العسكريّة في السنوات الثلاث الأخيرة، من ضبط الأمن في الداخل وحماية المتظاهرين، إلى مكافحة ظاهرة المخدرات وترويجها في الداخل وتهريبها إلى الخارج، إلى إحصاء الأضرار الناتجة عن انفجار المرفأ والمساهمة في توزيع المساعدات، إلى الدور الصحيّ في ظلّ انتشار جائحة كورونا وما رافقها من إقفال متكرّر…
تطول اللائحة كثيراً، حتى نخال أنّ الجيش مؤسّسات في مؤسّسة، في وقتٍ يعاني الضبّاط، بدءاً من قائد الجيش نفسه، وصولاً إلى الرتباء والعسكريّين، من سوء الأحوال المعيشيّة وتراجع قيمة رواتبهم، علماً أنّ العماد جوزيف عون منح الأولويّة لتحسين واقع العسكريّين وصون كرامتهم، وهي مهمّة شاقّة جدّاً في هذه المرحلة، نتيجة ما اقترفه من أدار الدولة لسنوات، حتى بلغنا الانهيار.
وعلى الرغم من هذه الأدوار، بل ربما بسببها، تلقّى الجيش أكثر من طعنة، أتت، للأسف، من طامحين إلى كرسي بعبدا، وقد بحث بعض هؤلاء عن سبيلٍ لتحميل الجيش وقائده مسؤوليّة تقصير السلطة السياسيّة، في حين كان الجيش، في مرّاتٍ كثيرة وبصمتٍ – هو من فضائل العسكريّين – يمسح أوساخ هذه السلطة ويخفي عوراتها الكثيرة.
إن “هرّت” ملامح كثيرة من صورة الدولة في السنوات الأخيرة، فإنّ الجيش كان بين قلّة ممّن حافظوا على صورة وهَيبة. وإن تراجعت ثقة اللبناني بدولته، فهي بقيت متماسكة بالجيش. وإن مرّ لبنانيّ على حاجزٍ للجيش، فسيكون اليوم أكثر إيماناً بعبارة “يعطيك العافية وطن”.
على أمل أن تنتقل هذه التجربة، خصوصاً في مرحلة الانهيار التي نعيشها اليوم، من اليرزة إلى بعبدا.
ما أحوجنا إلى النزاهة والوطنيّة والتعالي عن الحرتقات والعمل بصمت!
كان الله في “عون” لبنان… جوزيف طبعًا!
مواضيع مماثلة للكاتب:
ما بعد الحرب… هزيمة أو انتصار؟ | ويبقى الجيش هو الحلّ… | جبران: رِدّ الصاروخ |