إيلي حصروتي بعد سنتين من استشهاد والده في المرفأ: “الحقيقة وحدها الي بتحررنا”
كتبت ريتا عبدو لـ “هنا لبنان”:
خطفه ذلك الانفجار اللّعين، خطفه وهو لا يزال يحلم بالمستقبل، فيرى تارة ابنته في تخرّجها الدراسي، أو نزولها بالفستان الأبيض على درج بيتهم الجبلي وسط الزغاريد والتصفيق.. أحلامه بسيطة، لكنها مغمورة بالحب والأمل والحياة! أتحدث عن غسان حصروتي، ذاك الرجل الذي لطالما وجد في أهراءات القمح على مدى أربعين عاماً، ملجأً وأماناً من نيران الحرب الأهلية. أما في ٤ آب ٢٠٢٠، فهذه الأهراءات نفسها، قد خذلته لأول مرة، وأرادته شهيداً تحت نيرانها وأنقاضها.. قد تكون الكلمات صعبة لكن الحقيقة أصعب أضعافاً وأضعاف. في ذلك اليوم، كان لا بدّ من حصروتي أن يغادر عمله كالمعتاد عند انتهاء الدوام، لكنه بكامل إرادته، قرر أن يبقى ليساعد زملاءه بتفريغ حمولة، هو الذي لم يعرف أن بين جدران المرفأ قنابل موقوتة وضعتها أيدي الإجرام، ليصير هو واحداً من ضحاياها.
رغم صعوبة الموقف، أجرينا مقابلة خاصة لموقع “هنا لبنان” مع إيلي حصروتي، ابن غسان حصروتي، إيلي الذي ألتقي به بالصدفة بين الحين والآخر، أتأمله فأرى الرجاء في عينيه، والسلام في تعابير وجهه، كأنه جبار… أرى الأمل بلبنان، الأمل في ظهور الحقيقة، يوماً!
أخبرنا إيلي عن معاناة دامت لأسبوعين بعد الانفجار بحثاً عن والده، هو الذي كان ينزل يومياً إلى المرفأ علّه يصل إلى أي دليل. علماً أن إيلي لم يتلقَّ أي اتصال من أي جهة رسمية، بل كل الجهود كانت على المستوى الشخصي. وروى حصروتي كيف كانت إدارة الأزمة كارثية، إذ بعد نحو ٤٠ ساعة من حصول الانفجار حتى حضرت فرق الانقاذ إلى الأهراءات حيث كان يتواجد غسان حصروتي. وبالتالي كل الدعم الذي تلقته عائلة الشهيد كان من الأقارب والأصدقاء، ولا شيء من الجهات الرسمية! وأضاف: “لاحظنا تكتّماً وإجراءات غير طبيعية في محيط الأهراءات، حتى لم يُسمح لي بالدخول للتفتيش عن والدي، إلا بعد مراسلات واتصالات عديدة. لكننا بقينا مصرين على معرفة مصير كل المفقودين وأبي واحد منهم!”
برأي حصروتي أنّ الدولة اللبنانية بسبب تقصيرها وإهمالها وخيانتها لشعبها، سمحت لتلك الباخرة بتفريغ النيترات في المرفأ، كل المسؤولين استنكروا انفجار المرفأ، لكن هل من أحد منهم قام بمسؤوليته؟ ما نعيشه اليوم هو نتيجة الإهمال والتدهور الاجتماعي والثقافي والأخلاقي!
وعن تحركات أهالي الضحايا قال حصروتي: “خلال هذين العامين حاولنا قدر المستطاع الحفاظ على تماسك الجميع، وعدم السماح لجهات عديدة بتشتيت الأهالي وزرع الفتنة بينهم. وحتى هذه اللحظة، أجتمع أسبوعياً مع أهالي الضحايا للبحث بآخر تطورات التحقيق وأبرز المستجدات ووضع الخطط اللاحقة”.
وعن إيمان إيلي بنيل العدالة وتبيان الحقيقة ومحاسبة المجرمين الذين تسببوا بانفجار ٤ آب، يقول: “أنا أؤمن بمسار عدلي شفاف ويقابله مسار اجتماعي أخلاقي إنساني. هذان المساران مرتبطان ببعضهما، فقصة التحقيق وكشف الجريمة ومحاسبة الفاعلين مرتبطة بمبدأ العدالة، لترتقي إلى المستوى الإنساني، فكل شخص منا يسأل نفسه: ماذا تعلمنا من الذي حصل منذ عامين؟ ليس لدي شك أن الحقيقة ستظهر وستبان العدالة حتى لو بقي شخص واحد يطالب بها، لأن قضيتنا قضية كل لبناني في هذا البلد ولن تموت أبداً مهما حاولوا إسكاتها. الحقيقة وحدها تُحرّرنا”.
وبهذه الكلمات وجه إيلي رسالة لوالده بعد عامين من وفاته: “بيّي أنا تعبت كتير بهالسنتين، ما هديت ما قعدت… وكنت وبعدني مركز على الهدف الأساسي، بشكرك لأنك كنت محضرني لهالأوقات، لأن كل الي زرعتو فيّي هلق عم يبيّن لإقدر كون على مستوى التحدي، ما في شك إنّي تعبان، بس أنا بشكرك على نعمة الحياة الي عطيتني إياها، ساعدني ضل أمين لإلها.”
إلى اللقاء غسان، ابتسامتك لا تزال تشع جمالاً ونوراً لكن من السماء، لعلّها تزداد بريقاً أكثر، يوم حساب المجرمين، فلا مفرّ من ذلك!
مواضيع ذات صلة :
حمية ينفي وصول بوارج حربية إلى الموانئ اللبنانية | “تحية إجلال”… دقيقة صمت في المرفأ حداداً على أرواح شهداء 4 آب | الرابطة المارونية في ذكرى تفجير المرفأ: لم يعد مقبولا أن تبقى هذه القضية أسيرة النزاعات |