مواصفات الراعي أزعجت الحزب و”حررته” من مرشحيه.. في حال فشل الاتفاق الخارج يختار، وفرنسا تسوق الرئيس
كتب طارق وليد لـ “هنا لبنان”:
هل ستؤدي التطورات في المنطقة إلى الفراغ أم إلى رئيس تفاهم؟
باتت المواصفات التي حددها البطريرك الراعي لاختيار الرئيس من الثوابت لدى عواصم القرار، خصوصًا الدول المعنية بإنجاز هذا الاستحقاق ضمن المهلة الدستورية. إن هذه العواصم لا سيما باريس ستتحرك بعد منتصف آب الجاري، وفق أوساط دبلوماسية، لإنجاز الاستحقاق، بعد أن تكون قد أفسحت في المجال أمام القوى السياسية للاتفاق على الرئيس العتيد. ففي حال فشل اللبنانيون في الاتفاق تنتقل المهمة إلى الخارج.
ووفق دبلوماسي أوروبي أن مهمة الاختيار تقع على أميركا وتتولى فرنسا التسويق لدى الفاتيكان والسعودية وإيران. وقد يبدأ الضغط الدولي والإقليمي على القوى السياسية منتصف هذا الشهر لإنجاز الاستحقاق ضمن المهلة الدستورية، لأن الخارج يخشى الفراغ الرئاسي، وسيعمل على قطع الطريق على المطالبين بتغيير النظام وتعديل الطائف لأنه مع نهاية ولاية أي رئيس منذ الطائف تبرز أزمة حكم وهي تخفي وجود أزمة نظام وفق حزب الله والتيار الحر، وهذا يعني البحث عن نظام جديد. وإنّ الفاتيكان ومعه الولايات المتحدة وفرنسا والسعودية ومصر ومعظم القوى المحلية ضد تغيير النظام وتعديل الطائف في ظل الظروف الراهنة وطغيان نفوذ محور الممانعة.
وكان البطريرك قدد حدد مواصفات الرئيس المقبل بـ “أن يكون متمرساً سياسياً، صاحب خبرة، محترماً، شجاعاً، متجرداً، رجل دولة، حيادياً في نزاهته، ملتزماً في وطنيته، يكون فوق الاصطفافات، لا يشكل تحدياً لأحد، يكون قادراً على ممارسة دور المرجعية الوطنية والدستورية والأخلاقية”.
لقد أزعجت هذه المواصفات فريق العهد ومعه حزب الله حيث انتقدها أمينه العام حسن نصر الله بقوله: “إن مقاربة مسألة رئاسة الجمهورية من خلال تحديد مواصفات الرئيس المقبل هي تضييع للوقت ولا فائدة من الحديث عنها. وإن الحزب لم يبدأ النقاش بعد في الأسماء. ولن يكون للحزب مرشح للرئاسة بل سيقرر من يدعم من بين المرشحين الطبيعيين”.
قدمت مواصفات البطريرك نافذة إنقاذ لنصر الله من الحرج الذي هو فيه بين حليفيه سليمان فرنجية وجبران باسيل. فساعدته على رفع سقف موقفه ليؤمن المخرج اللائق من الاستحقاق، فقال إنه “لن يكون للحزب مرشح”.
ان هذه النافذة التي أمنت له فرصة للخروج من الإحراج في الاختيار، تؤكد أن الحزب لم يعد يتحكم بقرار المجلس ولم يعد يملك غالبية فيه لا ثلثي عدد النواب ولا الغالبية المطلقة (65) وبالتالي بات عليه الاتفاق مع القوى السياسية الأخرى على الرئيس الجديد، ولم يعد قادراً على فرض رئيس كما فعل عام 2016 بإيصال العماد ميشال عون وإجبار أركان قوى 14 آذار سعد الحريري وسمير جعجع ووليد جنبلاط على انتخابه لإنهاء الفراغ الرئاسي.
لم يعد الحزب اليوم يملك هذه القوة لإيصال مرشحه لذلك اضطر نصر الله إلى القول “لا مرشح رئاسياً لحزب الله، بل سندعم أحد المرشحين الطبيعيين”. لقد كان نصر الله يتجه إلى دعم ترشيح فرنجية فواجهته عوامل كثيرة حالت دون الخطوة.
وتقول أوساط الحزب أنه في حال اتخذ القرار بترشيح أحد للرئاسة فإن الأمين العام حسن نصر الله سيلجأ إلى مرشح تحدٍّ أي جبران باسيل ليتسنى له المفاوضة أو المناورة لاحقاً، وحجز دور له ولباسيل في عملية الاختيار والتسمية بشروطه ومطالبه ،خصوصاً أن باسيل يسعى لعقد صفقة مع أي مرشح يقبل التعاون في المرحلة المقبلة. فباسيل يملك أكبر كتلة برلمانية وبالتالي فإن أي مرشح له مصلحة بالتعاون معه.
وتنطوي بعض شروط التيار وفق مصادر المعلومات على عدم فتح عدد من الملفات لاسيما منها ملف الكهرباء، بعدما تبين أن هنالك مجموعة من النواب الجدد عازمة على فتح ملفات تحوم حولها شبهات، والمطالبة بتحقيق برلماني انطلاقاً من “أنه لا يجوز أن تمر هذه الملفات والصفقات من دون محاسبة، ورفض تبني شعار “عفا الله عما مضى”.
إن تراجع الحزب عن استخدام ملف الاستحقاق كورقة ضغط كما حصل عام 2014، يعود إلى شعوره بوجود متغيرات أساسية وموازين قوى جديدة وتسوية كبرى قيد الإنجاز بعد قمة جدة. فرغم انتقادها من قبل غلاة محور الممانعة تتجه إيران إلى الانفتاح على محيطها العربي استناداً إلى تصريحات مسؤولين إيرانيين قابلها استعداد من بعض دول الخليج لعودة العلاقات الدبلوماسية. فأبلغ مسؤولون كويتيون وإماراتيون إيران بعد قمة جدة استعدادهم لاستئناف العلاقات الدبلوماسية، ولكن بعد الاجتماع الإيراني السعودي الذي كان متوقعاً في بغداد للتوقيع على الاتفاق، إلّا أنّ هذا الاجتماع لم يعقد بسب التطورات في العراق ودخول مناصري مقتدى الصدر المنطقة الخضراء ومبنى مجلس النواب رافعين شعار “إيران برا برا.. العراق حرة حرة”، إضافة إلى ظهور رئيس الحكومة السابق نوري المالكي حاملاً بندقية حربية وسط مجموعة مدججة بالسلاح من أنصاره، في رسالة واضحة رداً على خطوة الصدر، تعكس التهديد بنقل المواجهة إلى الشارع.
وقد اعتبر مراقبون المشهد تشويشاً على الاجتماع وعملية ضغط على المحادثات السعودية الإيرانية. إن ما يجري في العراق وما حصل في غزة والمستجدات على صعيد المفاوضات النووية قد يترك تداعياته على الاستحقاق.
ويقول نائب في محور المقاومة أنه ستكون لكل هذه التطورات والمستجدات في المنطقة تداعياتها على الداخل اللبناني وعلى الأزمة وعلى ملف رئاسة الجمهورية. فهل ستدفع باتجاه الفراغ؟ أم ستساعد على حسن اختيار الشخصية التي يمكنها وضع لبنان على سكة الحل انطلاقاً من المواصفات التي وضعتها بكركي والتي تستبعد مرشحي 8 و14 آذار وتتجه إلى شخصية “رئيس تفاهم” يمكنه جمع الشمل وتوحيد الموقف وراء الدولة الجامعة على أن يكون التنوع والتمايز تحت سقف الدولة والقانون والمؤسسات وليس خارجها.