بروفة غزة والتصعيد الاستباقي
كتب أسعد بشارة لـ “هنا لبنان” :
انتهت الحرب المصغرة في غزة إلى هدنة بعد ثلاثة أيام شهدت قصفاً اسرائيلياً وعمليات اغتيال لقادة الجهاد الإسلامي التابعة لإيران، فيما اكتفى كل من حزب الله وحماس بالدعم الإعلامي، دون أن يدخلا في المواجهة، وتركت حركة الجهاد تتعرض لحرب غير متكافئة أدت في النهاية إلى فرض هدنة استفادت منها إسرائيل التي رفضت كل مطالب الجهاد لوقف إطلاق النار وطبقت معادلة الهدوء مقابل الهدوء، ولكن بعد أن حققت أهدافاً لم تر فيها قوى الممانعة سوى هزيمة واضحة. فإسرائيل رفضت الإفراج عمن اعتقلتهم من كوادر الجهاد في الضفة، وهي نفذت عملية تصفية لقادة ميدانيين كبار في غزة، كما استمرت بعد الهدوء بملاحقة واغتيال الناشطين في الضفة وآخرهم الناشط النابلسي.
ماذا يمكن الاستخلاص من حرب غزة القصيرة، وإلام هدفت إسرائيل من خلال حملة الاغتيالات التي نفذتها بالطائرات، وهل هدفت إلى إيصال رسالة بأن سيناريو غزة يمكن أن يطبق في غزة نفسها، ضد حماس، كما في لبنان ضد حزب الله، حيث شهد ملف الترسيم أعلى مستويات التهديد بضرب المنشآت الإسرائيلية.
الأكيد أن لبنان مهدد بسيناريو غزة، أي سيناريو الحرب القصيرة التي باتت تطبقها إسرائيل كمعادلة ردع سريعة، تنفذ فيها خلال أيام حملة جوية مركزة حيث تحاول اصطياد قيادات وتدمير مراكز قيادة وسيطرة، ومواقع ومخازن إطلاق الصواريخ، مقابل أن تتحمل خلال أيام التعرض لإطلاق الصواريخ التي تعجز القبة الحديدية عن صدها. المقارنة بين غزة ولبنان ممكنة بالمبدأ لكنها تختلف في موازين القوى. فاستعداد حزب الله لعملية من هذا النوع يختلف كماً ونوعاً وتدريباً واستعداداً عن قدرات فصائل غزة، والهامش الجغرافي كبير جداً ومختلف عن مساحة القطاع، ووسائل التموين مفتوحة عبر الحدود اللبنانية السورية، وهذا ما يجعل قدرة إسرائيل على تنظيم حملة جوية في أيام، قاصرة عن بلوغ الأهداف الكاملة، فضلاً عن أن حزب الله الذي يتقن فن الإعلام الحربي، سيحتفظ لنفسه في حال نشوء المواجهة، بإطلاق الرصاصة الأخيرة، التي هي بالنسبة له ولجمهوره علامة الانتصار الإلهي ذلك تجاوزاً للنتائج الحقيقية للمواجهة، ولموازين القوى التي ستسفر عنها.
وعلى الرغم من أن حرب غزة قد قرأها حزب الله بعين الواقعية التي لا تظهر في الخطابات الدعائية الانتصارية، فإن مهلة أيلول التي اعطاها الحزب لإنجاز الترسيم، تحت طائلة ضرب منصات الغاز الإسرائيلية، ما زالت قائمة، وقد أكد عليها الأمين العام لحزب الله. ولهذا فإن سيناريو غزة مرشح لأن يتكرر في لبنان، إذا ما استهدف الحزب المنصات الإسرائيلية . لكن وفي مقابل هذا التصعيد الكلامي ورفع السقف، يبدو المشهد الإقليمي أقرب إلى الانفراج منه إلى الانفجار، ففي فيينا اقترب حسم توقيع الاتفاق النووي الذي بدا وكأنه يوقع بالأحرف الأولى تمهيداً لإعلان الاتفاق الكامل، وهذا المسار يناقض بقوة التصعيد الذي تعمد حزب الله إبرازه في الأسابيع الماضية، كما يناقض اقتراب مفاوضات الترسيم من تحقيق اختراق كبير، قد يعيد إسرائيل ولبنان إلى طاولة الناقورة للقيام بمفاوضات إجرائية تمهيداً لإعلان الاتفاق.
لم يكن غريباً أن لا ينخرط حزب الله بحرب غزة إلى جانب الجهاد، فهي ليست المرة الأولى التي تندلع فيها هذه الحرب، فيما الحزب يقف متفرجاً، لكن اللافت أن التصعيد الاستباقي للترسيم، جاء على ما يبدو استباقاً لتوقيع الاتفاق النووي مع إيران، الذي سيشكل الغطاء لتفاهمات بعيدة المدى في المنطقة لن تكون إسرائيل وحزب الله خارجها.
مواضيع مماثلة للكاتب:
تفاؤل وهمي والحرب تتصاعد | لبنان على موعد مع أشهر صعبة | ترامب اللبناني |