هل سيتحرّك القضاء اللّبنانيّ ويكشف من المسؤول عن أزمة الرغيف؟
كتب أنطوني الغبيرة لـ “هنا لبنان”:
رغيف المواطن اليوم لم يعد بخطر، هذه ليست إشاعة بل إنه واقعٌ سعيدٌ في بلد العجائب. بعد الطوابير التي لا تعبّر سوى عن إذلال المواطن للحصول على لقمة عيشه، أتى الحلّ بعد استلام القوى الأمنية جداول توزيع الطحين المدعوم لصناعة الخبز العربي وتفعيل دور المراقبة والتفتيش على عمل الأفران وتطويق مزاريب الهدر والتهريب.
تمّ حلّ الأزمة بنسبة ٩٠٪ لكننا لا نريد أن تعود، لذا تحرّكت عدّة جهات أمام القضاء ورفعت دعاوى قضائية ضدّ من تعتبره المسؤول عن الأزمة. فهل سيتحرّك القضاء ويسلّم جداول توزيع الطحين المدعوم؟
وللإحاطة بتفاصيل إضافية حول هذا الموضوع تواصل “هنا لبنان” مع الصحافي إدمون ساسين الّذي قدّم إخباراً مع المحامي علي عباس أمام النيابة العامة المالية. وأوضح ساسين بدايةً المعطيات التي على أساسها تمّ رفع هذه الدعوى، واستهلّ حديثه أنّه ومنذ بداية الأزمة في لبنان بقي الطحين مدعوماً، وكانت الدولة تستورد ٢٨ ألف طن من الطحين المدعوم التي هي حاجة السوق اللبنانيّة، و١١ ألف طن إضافي من الطحين المدعوم أيضاً، هذه الكمية الإضافية المدعومة كانت تذهب للأفران لصنع الحلويات والكرواسون إلخ… وهنا تبدأ الفضيحة فهذه الكمية (١١ ألف طن) من الطحين المدعوم كان من المفترض أن تكون غير مدعومة لأنها ليست للخبز العربي. بالمقابل كانت تباع هذه الكمية إلى المطاحن والأفران على السعر المدعوم لصنع الحلويات، ممّا يجعل أرباح الأفران خيالية.
وأضاف، بعد شح أموال الدولة والبلبلة في مجلس الوزراء، قُرر تأمين حاجة السوق من الطحين للخبز فقط، من خلال شراء قمح وتحويله إلى طحين وهنا بدأت الأزمة الحقيقيّة. ومع توقّف استيراد هذه الكميّة أصبح اليوم جزء كبير من الطحين المخصص للخبز العربي يستخدم للحلويات والكرواسون.
وأضاف أنّ صاحب الفرن حصّته من وزارة الاقتصاد ١٠٠٠ طن سعره ٢,٣٠٠,٠٠٠ ليرة، يبيعه بالسوق الحرة ٨٠٠$ أي إنه يربح أكثر من ١٦ إلى ١٧ مليون. فالأزمة هي تواطؤ بين أصحاب الأفران والتجار، الّذين يساهمون بتهريب الطحين المدعوم إلى سوريا.
عملياً الكارتيل مؤلف من تجار وأصحاب أفران، استفادوا من الدعم على الطحين الّذي يكفي حاجة السوق وإمّا لبيعه بالسوق السوداء أو تهريبه. والمسؤولية الكبرى تقع على التوزيع غير العادل الذي حصل من قبل المديرية العامة للحبوب في وزارة الاقتصاد، التي ميّزت بتوزيع الطحين بين الأفران. هنا نلاحظ تواطؤاً من قبل التجار والسماسرة وأصحاب الأفران مع الموظفين داخل المديرية.
وأضاف ساسين، أن الجداول التي أصدرت على فترة طويلة تظهر التوزيع الاستنسابي، وهذا أمر ثابت بتقارير شعبة المعلومات المكلفة منذ آب ٢٠٢٠ أي بعد انفجار المرفأ بموضوع المطاحن.
وأشار إلى أنّه “منذ بداية الأزمة بحثنا عن السبب، إلى أن اطّلعنا على تقرير شعبة المعلومات الّذي أظهر التوزيع غير العادل. طلبنا منذ ١٥ حزيران الحالي جداول توزيع الطحين على الأفران ومن الشركات التي تستورد القمح المدعوم وبأي سعر. تواصلنا مع الوزير ووعدنا بتأمين الجداول ولم يحصل ذلك.
فتوجهنا إلى قضاء العجلة، وقدمنا إخباراً لدى النيابة العامة المالية، وطلباً للحصول على معلومات متعلقة بجداول توزيع الطحين بالفترة السابقة إضافة إلى جداول استيراد القمح من الخارج وأسعار الطن بكل شحنة، وبعد أسبوع تم الرد أنه تم تبليغ الجهة الخاطئة! نحن اليوم أمام مماطلة مما يدل عملياً أنهم لا يريدون إعطاءنا هذه الأرقام، واستندنا لتحقيقاتنا وتقارير شعبة المعلومات لتحريك القضية”.
وختم ساسين قائلاً أنّ الدليل الذي يظهر مشكلة بعملية التوزيع وتواطؤ التجار والأفران هو اعتراف الوزارة نفسها عندما صرّحت بأنها ستسعى لتطبيق آلية جديدة للتوزيع؛ وهذا اعتراف غير مباشر أن الآلية القديمة كانت سيّئة. ومع تشكيل لجنة جديدة بعد تدخل من قبل رئيس الحكومة ورئيس الجمهورية، تضم شعبة المعلومات ووزارة الداخلية والجمارك ووزارة الاقتصاد وهي تشرف على الآلية الجديدة. ما يدل على أنّ آلية التوزيع والمشرفين على التوزيع من قبل، يتحملون جزءاً كبيراً من المسؤولية بالإضافة إلى التجار وأصحاب الأفران.
بدوره أشار نقيب عمال المخابز في بيروت وجبل لبنان شحادة المصري، أنه وبعد المطالبات العديدة لتوزيع حصص متساوية من الطحين المدعوم على الأفران؛ وبعد انفجار المرفأ والهبات المقدّمة من طحين وزيت وسكر وخميرة مدعومة للأفران، طلبت النقابة من وزارة الاقتصاد بيانات حول الكميات المقدّمة، وعند عدم إيجاد آذان صاغية، رفعت النقابة دعوى قضائية منّا ضدّ وزارة الإقتصاد. تتضمّن أولاً تفصيل بيان أجور العمّال التي لم يتمّ الحصول عليها وبيان حصّة كل فرن من الطحين المدعوم خاصةً ضمن نطاق النقابة في بيروت وجبل لبنان والبيان الثالث هو بمقدار الكميّة المدعومة للطن الواحد من الخميرة والزيت والسكر.
وأكمل النقيب بعد رفع الدعوى صدر قرار مجلس شورى الدولة بإلغاء قرار مدير عام مكتب الحبوب والشمندر السكري وإعطاء الجداول للنقابة لكنه قام بمراجعة. وصدر الحكم الثاني كالأول لكن طلب أيضاً إعادة المراجعة. اليوم وللمرة الثالثة نحن بانتظار البيانات بعد الحكم الثالث غير أنّ إضراب موظّفي القطاع العام عرقل حصولنا على البيانات؛ والمحامون يتابعون الملف.
المصري في نهاية حديثه لـ “هنا لبنان” اعتبر أنّه من واجب الدولة والجهات المعنية تأمين القمح من الأسواق البديلة عند حدوث أي طارئ أو حرب. وتمنى محاسبة حقيقية والإسراع لتشريع القوانين للحصول على قرض البنك الدولي بقيمة ١٥٠ مليون دولار المتعلّق بالقمح، مع ضرورة إعادة تخزينه بالمخازن المخصصة من قبل الدولة ومراقبة القوى الأمنية.
وفي نهايةِ كلّ قضيّة نبقى متأملين بالقضاء اللّبنانيّ ونزاهة القضاة – رغم الضغوطات السياسيّة التي قد تُمارس- لكي نصل إلى الحقيقة المرجوّة ويبقى أملنا أكبر بلبنان يشبهنا ولا يشبه فسادهم!