حل مشكلة النازحين السوريين يقع أوّلًا وأخيرًا على عاتق السلطة اللبنانية
كتب د. طوني وهبه لـ “هنا لبنان”:
بعد الزيارات المتعددة التي قام بها في الآونة الأخيرة وزير المهجرين في حكومة تصريف الأعمال عصام شرف الدين إلى سوريا، للتباحث والتنسيق مع وزير الإدارة المحلية السوري، بهدف الاتفاق على آلية لعودة النازحين السوريين إلى بلادهم، وما ظهر في الأيام الأخيرة من خلافات بين الوزير شرف الدين والرئيس نجيب ميقاتي من خلال الهجوم الذي شنّه وزير المهجرين على رئيس حكومة تصريف الأعمال قائلاً أنّ “ميقاتي لا يريد أن يكون في واجهة هذا الملف ويحاول أن يخلق خلافاً بيني وبين وزير الشؤون الاجتماعية هيكتور الحجار، فميقاتي رجل أعمال كبير ولديه مؤسساته في الدول المانحة، ولا يريد أن يختلف معهم ولو على حساب الشعب اللبناني المصّر على عودة النازحين السوريين إلى بلادهم”.
يبرز هذا الخلاف إلى العلن فيما التردي المعيشي الخطير يهدّد اللبنانيين، وقد أصبحوا عاجزين عن تأمين الأساسيات الحياتية والمعيشية، في ظلّ فقدان أدنى شروط الحماية الصحية والاجتماعية، حيث تجاوزت نسبة من هم دون خط الفقر أكثر من 80 بالمئة من اللبنانيين، في بلد يستقبل أكثر من مليون وثماني مئة ألف نازح سوري عدا عن مئات آلاف اللاجئين الفلسطينيين، أي ما يقارب نصف عدد سكانه.
والجدير ذكره أن هذا الخلاف بين مكوّنات السلطة حول النظرة إلى ملفّ النازحين وكيفية معالجته ليس الأول، فالسلطة اللبنانية لم تكن مرة جاهزة وموحدة لمواجهة ومعالجة مشكلة النزوح السوري إلى لبنان، فمنذ اليوم الأوّل للأزمة السورية وبدء تدفق النازحين، انقسم اللبنانيون بين فريقين، فريق إلى جانب النظام يتبنى فكرة قدرة النظام السوري على حسم الحرب لصالحه خلال أيام أو أسابيع معدودة وبالتالي سيعيد النازحين إلى بلدهم. وفريق تبنى فكرة أنّ معارضي النظام سيحسمون الأمور لمصلحتهم ويعود النازحون إلى بلدهم، فيما أعداد النازحين تتدفق بلا حسيب ولا رقيب.
كما أن طرح إقامة مخيمات مخصصة لإيواء النازحين السوريين في مناطق معينة تتم مراقبتها وتأمين الخدمات لها من قبل الحكومة اللبنانية بمساعدة هيئات ومنظمات المجتمع الدولي، أسوة بما قامت به دول الجوار لسوريا مثل تركيا والأردن، هذا الطرح واجه أيضاً معارضة شديدة من بعض مكونات حكومة الرئيس ميقاتي الثانية، بحجة أن مشكلة المخيمات الفلسطينية لا تزال جاثمة أمامنا وتشكل واقعاً يصعب التعامل معه منذ 1948 تاريخ النكبة الفلسطينية وحتى اليوم.
هذا العجز عند السلطة اللبنانية عن التوصل لاتفاق على نظرة ورؤية واحدة لمواجهة الأزمات وخصوصاً أزمة النزوح السوري الطارئة، ترك الأمور على غاربها، وراح النازحون السوريون يتدفقون دون أية رقابة، ومراكز إيوائهم تنتشر في مخيمات أقيمت بصورة عشوائية، فالنازح السوري في لبنان يتمتع بظروف إقامة وعمل لا تصحّ لأيّ لاجئ في العالم، من حيث اختيار نوع العمل والإقامة، حيث بمقدوره أن يسكن في البقاع أو بيروت أو أي منطقة يختارها على الأراضي اللبنانية كما باستطاعته اختيار العمل الذي يناسبه فالآلاف منهم فتحوا محالاً تجارية ومؤسسات تنافس التجار وأصحاب المهن من اللبنانيين، إضافة إلى الاستفادة من المساعدات العينية والمادية وبالعملة الصعبة التي تقدمها الجمعيات الأممية، هذه التقديمات تجعل وضع النازح أفضل بمرات من غالبية المواطنين اللبنانيين.
وحسب ما يوضح أحد الخبراء الاقتصاديين أنه في وقت ليس بمقدور المواطن اللبناني تأمين الكثير من حاجياته وأساسياته المعيشية بسبب الظروف الاقتصادية الشديدة الصعوبة التي يواجهها لبنان والانهيار الكبير الذي يصيب العملة الوطنية، تقوم الجمعيات الأممية بتأمين معظم الخدمات الاجتماعية والصحية والتربوية للنازحين السوريين إضافة إلى المساعدات المادية وبالعملة الصعبة.
ويضيف الخبير الاقتصادي قائلاً إن التقديمات السخية التي يحصل عليها النازح السوري إضافة إلى تمتعه بحرية الإقامة والعمل هي عوامل تدفع به إلى صرف النظر عن العودة نهائياً إلى بلده، لأن ما يتوفر له من مساعدات وفرص عمل وغيرها لن تتوفر له في بلده، حتى لو استقرت الأمور في سوريا وأصبحت على أفضل حال. وبالتالي عملية إعادة النازحين السوريين تحتاج أوّلًا وأخيراً إلى إرادة سياسية عند السلطة اللبنانية لحل هذا الملف وحسم اتخاذ القرار السياسي وفقاً للمصلحة الوطنية بعيداً عن أي اعتبارات أو تدخلات أممية أو دولية.
إذاً إنّ مشكلة النزوح السوري إلى لبنان، وما تتركه من تداعيات اقتصادية وخدماتية وديموغرافية تؤثر بشكل خطير للغاية على وضع هذا البلد الدقيق بتوازناته السياسية والديموغرافية، وضرورة إيجاد الحل لها ومعالجتها ليس مسؤولية الهيئات الأممية ولا المجتمع الدولي، ولا سوريا التي من المفترض أن تعمل لعودة كل نازح سوري، بل تقع أوّلًا وأخيراً على السلطة السياسية اللبنانية التي لا تمتلك الإرادة السياسية ولا القدرة على التوافق من أجل الوصول إلى حل مناسب يصب في المصلحة اللبنانية ويعيد النازحين السوريين إلى بلادهم .
مواضيع مماثلة للكاتب:
هل يتم استحقاق انتخابات رئاسة الجمهوية في موعده الدستوري؟ | هل باستطاعة الحكومة اللبنانية إعادة النازحين السوريين إلى بلدهم؟ | لماذا لا تشجع الدولة مزارعي القمح حفاظاً على الأمن الغذائي؟ |