ماذا لو لم يستشهد بشير؟
كتب ناشر “هنا لبنان” طارق كرم:
تحلّ اليوم ذكرى انتخاب بشير الجميّل رئيساً للجمهوريّة قبل أسبوعٍ على بدء المهلة الدستوريّة لانتخاب رئيسٍ جديدٍ للبنان.
بعد أربعين عاماً، كم هو مؤلمٌ أن نستذكر بشير كحلم، وقد عشنا بعده أكثر من كابوسٍ رئاسيٍّ، ولعلّ الأخير كان الأكثر سواداً، وقد بلغنا فيه انهياراً غير مسبوق، وشهدنا على العجائب والغرائب، ومنها أن يحكم رئيسان، وأن تكون فترات تصريف الأعمال الحكوميّة أكثر من الولايات الأصليّة للحكومات…
كان 23 آب حلماً وتحقّق. كان موعداً لخروج لبنان من الحرب التي تعدّدت تسمياتها، فتأخّر الموعد سنوات إضافيّة ولم تنتهِ الحرب إلّا بمواجهةٍ دمويّة مسيحيّةٍ-مسيحيّةٍ دفعنا ولم نزل أثماناً كبيرةً لها.
ومنذ أربعين عاماً، نردّد عند كلّ أزمة وكلّ استحقاق وكلّ محطّة مفصليّة السؤال نفسه: ماذا لو لم يستشهد بشير؟
كان عدم استشهاد بشير سيمنع حرب إلغاء القوات اللبنانيّة التي أسّسها، وقد دخلت هذه الحرب إلى بيوت المسيحيّين وفرّقتها.
وكان عدم استشهاده سيمنع الاحتلال السوري الذي تكرّس كنتيجة للحرب الأميركيّة على العراق.
وكان عدم استشهاده سيمنع قيام حزب الله الذي تحوّل لاحقاً إلى دويلة داخل الدولة، وأحياناً أقوى منها.
كان عدم استشهاد بشير سيغيّر الكثير، وليس صحيحاً أنّه لو حكم كان الحلم سينتهي، كما حصل مع رؤساء آخرين، بدأوا عهدهم بوعودٍ وعهودٍ وأنهوه بخيبات.
بشير مختلف. مختلفٌ بأفكاره ورؤيته وشخصيّته. لم تنجب السياسة اللبنانيّة شبيهاً له، وقد لا تنجب. بشير أبيض أو أسود. ما من رماديّة في مواقفه وخطواته. بشير لبناني ومسيحي، وهذه لا تنتقص من تلك.
وفي 23 آب، ومع تسليمنا باستحالة بلوغ “بشيريّ” سدّة الرئاسة في الشهرين المقبلين، لن نفقد الحلم بأن تولد “دولة بشير” يوماً ما، وهي دولة القانون الذي يُطبّق من دون تمييز، والدستور الذي يعلو على الجميع، ولبنان العربي من دون أن يُحكم من العرب أو ضدّهم، ولبنان الذي لا سلاح فيه خارج إطار الشرعيّة، ولبنان الذي لا تشعر طائفةٌ فيه بفائض قوّة ولا بعقدة ضعف.
وإن كانت مرّت أربعون على رحيل بشير، فإنّ هذا الحلم ستتناقله الأجيال، وسيبقى مثل شعلة لن يقدر أحدٌ على إطفائها، فهي حيّة فينا، تماماً كما بشير… حيٌّ فينا.
مواضيع مماثلة للكاتب:
ما بعد الحرب… هزيمة أو انتصار؟ | ويبقى الجيش هو الحلّ… | جبران: رِدّ الصاروخ |