أي الياس سركيس يريد وليد جنبلاط؟
كتب جان الفغالي لـ “هنا لبنان”:
نادرةٌ هي المحطات التي اتّفق فيها الراحل كمال جنبلاط، ولاحقًا نجله وليد جنبلاط مع الرئيس الراحل الياس سركيس، فلماذا يطالب وليد جنبلاط اليوم برئيس شبيه بالياس سركيس، وهو الذي لم يتفاهم معه يومًا؟
قد يكون جنبلاط الابن يعبِّر عن رفضه للرئيس القوي، فآثر التذكير بسركيس، لا لكي يقول ما يريد بل لكي لا يقول ما يريد.
أيّام جنبلاط الأب، كانت العلاقة باردة بين سركيس وجنبلاط، فحين انتُخِب سركيس رئيسًا للجمهورية، قبل سبعة أشهر من انتهاء ولاية الرئيس الراحل سليمان فرنجية، كان الانتخاب تحت قذائف منظمة التحرير الفلسطينية والحركة الوطنية التي كان يتزعمها كمال جنبلاط الذي لم يكن يريد انتخاب سركيس، فيما سوريا كانت تريده. وحين تسلَّم سركيس مهامه الدستورية في 22 أيلول 1976، شكَّل حكومة تكنوقراط، باستثناء نائب رئيس الحكومة وزير الخارجية فؤاد بطرس، فيما الوزير الدرزي كان صلاح سلمان، وكان من التكنوقراط أيضًا، تعمَّد الرئيس سركيس أن لا يشكِّل حكومةً من السياسيين ليتحاشى طلباتهم وشروطهم، ومنهم الراحل كمال جنبلاط.
في الحكومة الأولى حمَل الرئيس سركيس العصا من وسطها، فهو شكَّل حكومةً غير محسوبة على سوريا وغير محسوبة على الحركة الوطنية وبالتأكيد غير محسوبة على الجبهة اللبنانية، ومع ذلك كان الامتعاض كبيرًا لدى الراحل كمال جنبلاط.
وكدليل على حياديّته، يقول الوزير في الحكومة الأولى في عهد سركيس، صلاح سلمان، في كتاب مذكّراته عن مشاركته في السلطة التنفيذية في عهد الرئيس سركيس: “صحيح أنّ القوى الوطنية وحلفاءها الفلسطينيين آنذاك، انتقدوا أسلوب الرئيس سركيس بشكلٍ متواصل وبدون إعطائه أي أسباب تخفيفية، ولم يكتَب كفايةً عن تجارب الوزراء مثلي أي التكنوقراط”.
هذا الإقرار يشكِّل أسطع دليل على أن كمال جنبلاط لم يكن راضيًا عن الحكومة.
يقول المحامي كريم بقرادوني، في لقاء خاص معه، وهو كان قريبًا جدًا من الرئيس سركيس، وأرَّخ عهده في كتابه “السلام المفقود”: “كانت إحدى المشاكل الكبرى لدى الرئيس سركيس أنّ كمال جنبلاط “مش ماشي” وبالتالي “لا أستطيع أن أحكم بنصف اللبنانيين”، كان جنبلاط يأخذ على سركيس أنّه قريبٌ من سوريا، لكن ما لا يعرفه كثيرون ان سركيس لم يكن يعرف أحدًا في سوريا قبل انتخابه، كما لم يزر سوريا قبل انتخابه.
السوريون لم يكونوا يرتاحون إلى كمال جنبلاط وإلى ياسر عرفات، وفي إحدى المرات هددوا بسحب جيشهم في حال ارتأى الرئيس سركيس توزير كمال جنبلاط أو مَن يسميه جنبلاط.
بعد اغتيال كمال جنبلاط وتسلّم نجله وليد الزعامة، تكوّنت لدى الأخير قناعة بأن سركيس ضعيف وهو ليس كفؤاد شهاب، وكان الخلاف معه على بندين أساسيين: الرئيس سركيس كان يريد تطبيق اتفاق القاهرة بحذافيره، وجنبلاط كان يربط تطبيق اتفاق القاهرة بالدولة الفلسطينية، سركيس كان يريد تطبيق الإصلاحات، جنبلاط وضع أولوية الأمن على الإصلاحات.
لهذه الأسباب مجتمعةً، يُطرَح السؤال: لماذا يريد وليد جنبلاط “سركيس الثاني” وهو لم يتفق يومًا مع “سركيس الأول”؟ ربّما لأنّه لا يريد أن يُكرَه على اختيار كميل شمعون آخر أو فؤاد شهاب آخر، ومَن يتعقّب كلامه بعد لقائه وفد حزب الله في كليمنصو، يتوصل إلى هذا الاستنتاج: يريد “سركيس الثاني” لإبعاد شبح “شمعون الثاني” أو “شهاب الثاني”..
أخيرًا وليس آخرًا، هل يريد وليد جنبلاط “الياس سركيس” الذي أنهى عهده بإيصال، أو على الأقل بالمساهمة في إيصال الشيخ بشير الجميِّل إلى رئاسة الجمهورية؟
هناك شك في ذلك! ولهذا يُنصَح بقراءة ما لم يقله وليد.
مواضيع مماثلة للكاتب:
راقبوا الميدان… الحرب في بدايتها | لبنان أمام عشرة أسابيع حاسمة | تدمير تحت الأرض.. دمارٌ فوق الأرض |