مجلس النواب بعد تحولّه إلى هيئة انتخابية… هل يضيع التشريع؟
كتبت كارول سلّوم لـ “هنا لبنان”:
في بلدٍ كلبنان تتعدّد فيه المقاربات السّياسيّة والقانونية لجميع الملفّات، يصعب الجزم أنّ هذه المقاربة أو تلك هي الأصحّ. وبات واضحاً أنّه لدى تفسير الدّستور وموادّه، ترتفع أصواتٌ من هنا وهناك بشأن الثّغرات والشّروحات، في حين أنّ هذه التّفسيرات يمكن أن تكون على “مدّ العين والنّظر”، اليوم وتحديداً على مقربةٍ منَ الدّخول في المهلة الدستورية لانتخاب رئيس جديد للبلاد، توجّه أسئلة عن مسار عملية الانتخاب وعن دور الحكومة التي تنتقل إليها صلاحيّات رئيس الجمهورية بعد انتهاء الولاية الرئاسيّة، فضلاً عن تحوّل مجلس النوّاب إلى هيئة ناخبة، وأحقيّة التشريع من عدمه في خلال فترة التئام المجلس لانتخاب رئيس الجمهورية.
ووفقاً للمادة ٧٥ من الدستور فإنّ المجلس الملتئم لانتخاب رئيس الجمهورية يعتبر هيئة انتخابية لا هيئة اشتراعية ويترتّب عليه الشّروع حالاً في انتخاب رئيس الدولة دون مناقشة أيّ عمل آخر، على أنّ المادة ٧٣ من الدستور تنصّ على أنّه قبل موعد انتهاء ولاية رئيس الجمهورية بمدّة شهر على الأقلّ أو شهرين على الأكثر يلتئم المجلس بناءً على دعوة من رئيسه لانتخاب الرئيس الجديد وإذا لم يدعُ المجلس لهذا الغرض فإنّه يجتمع حكماً في اليوم العاشر الذي يسبق أجل انتهاء ولاية الرئيس.
ليس هناك أوضح من هاتين المادّتين، لكن في الوقت نفسه تنقسم الآراء الدستورية حول دور البرلمان، وبعض القانونيّين يعتقدون أنّ المجلس النيابي يصبح هيئة انتخابيّة دون إمكانية ممارسة دوره التّشريعي، ولكنّ هناك رأياً آخر يشير بوضوح إلى أنّ مجلس النواب بإمكانه أن يشرّع خلال المهلة الدستورية لانتخاب رئيس للبلاد.
وهذا ما يشدّد عليه الخبير الدستوري المحامي الدكتور عادل يمين الذي يشير عبر موقع “هنا لبنان” إلى أنّ المادة ٧٥ من الدستور أشارت إلى جلسة الانتخاب بذاتها وليس إلى جلسات أو اجتماعات أخرى للبرلمان، وبالتالي فبإمكان مجلس النواب أن يشرع في خلال هذه المهلة أو أن يقوم بعمل آخر، لكن وحدها الجلسة المخصّصة لانتخاب رئيس الجمهورية تقتصر على هذه المسألة.
ويؤكّد يمين في ردٍّ على سؤال أنّ هناك شواهد على قيام البرلمان اللبناني بالتشريع لا سيّما في أيام حكومة الرئيس تمام سلام التي تسلّمت مهامّ رئيس الجمهورية في أيّام الشغور، ووقتها تمّ تشريع عشرات القوانين.
ويكرّر القول أنّ المجلس الملتئم كما ورد في المادة ٧٥ يعني المجلس الملتئم في جلسة انتخاب رئيس الجمهورية فحسب.
ويضيف: في حال وقع الشّغور في سدّة الرئاسة وعلى الرغم من أنّ ما من نصٍّ يمنع المجلس من التّشريع وانطلاقاً من مبدأ فصل السلطات وتوازنها وتعاونها يجب على البرلمان التحفّظ في عملية التشريع، في ظلّ غياب رئيس الجمهورية وهو الوحيد الذي أقسم اليمين على المحافظة على الدستور ويملك الصلاحية في ردّ القوانين إلى المجلس النيابي والطّعن بها أمام المجلس الدستوري بحيث يقتضي على البرلمان الاكتفاء بتشريع القوانين الضرورية، كي لا يستغيب الرئيس وما يملكه من صلاحيّات في موضوع التشريع وكي لا يختلّ التوازن في السلطات، وكلّ ذلك من منطلق أنّ وقوع الشغور في سدّة الرّئاسة يحدث خللاً في توازن السّلطات يجب التّعامل معه بحذر وعدم سنّ القوانين إلا تحت عنوان الضّرورة، وبالتالي ليس من منطق أنّ البرلمان هو هيئة انتخابية وليس هيئة اشتراعية .
إلى ذلك، ترى أوساط مراقبة أنّه في مسألة العودة إلى النصّ يتسلّح كلّ فريق بقراءته متناسياً أنّ ثمّة حالات ارتكز فيها تفسير مواد الدستور على الكلمة والحرف حتى، ومن هنا تكثر التوقّعات عن صراعات دستورية قد لا تنتهي وهي في الأصل انطلقت بقوة.
وبين عبارتي الهيئة الانتخابية والهيئة التشريعية لمجلس النواب، الفوارق واضحة على أنّ الأساس يبقى هو قيام مجلس النواب بدوره السليم وتفادي أيّ تعطيل تحت أيّ مسمى كان، لا سيّما أنّ هناك مسؤوليات كبرى تقع على عاتقه، باعتباره مؤسسة دستورية.