من سيبكي بعد نادين؟
كتب ناشر “هنا لبنان” طارق كرم:
لا أحبّذ شخصيّاً وجود الكاميرات في المآتم. فالكاميرا تدفع من يقف أمامها إلى بعض التمثيل والادّعاء، وفي ذلك انتهاك لحرمة الموت وخصوصية الأشخاص على وسائل التواصل اللا إجتماعي، لا أتحدّث هنا عن عائلة الراحل جورج الراسي. مُصابها أكبر من أن يوصف. كلمات التعزية تبدو خجولة ومحدودة التعبير أمام المصاب الأليم المحزن الذي خيّم على قلوبنا لحظة سماع الخبر.
العائلة مصابة كلّها بما حصل، ولكنّ الكاميرات اتّجهت أكثر نحو نادين الشقيقة. الفيديوهات التي انتشرت لها مؤلمة. بكاؤها كبحرٍ من الأحزان. ليست هذه “الكَسرة” الأولى لنادين لكنّها الأشدّ إيلاماً، هي التي تعرّضت لنكسات كبيرة خرجت منها أكبر وأقوى.
لكن هذه الضربة شبه قاضية، “راح” جورج، والخسارة لا تُعوّض ولكن، ماذا سنفعل؟ وماذا سيفعل المسؤولون كي لا يكون بعد جورج ضحايا آخرون للموت المجاني على طرقات لبنان، نتيجة الإهمال الرسمي المتواطئ مع فساد المتعهدين وتقصيرهم؟
هل سمعنا، مثلاً، بأنّ رئيس الحكومة استدعى وزير الأشغال للاستفهام منه من المسؤول عمّا حصل؟ أو هل قرأنا خبراً عن أنّ لجنة الأشغال النيابيّة دعت إلى جلسةٍ خاصّة لبحث ملف الطريق، واتخاذ التدابير اللازمة كي لا تكون الفواصل الإسمنتيّة جسر عبورٍ إلى الموت؟
لم نقرأ ولم نسمع ما سبق كلّه. لكنّنا، حتماً، سنسمع لاحقاً عن تدخلاتٍ سياسيّة ستمنع القضاء من إصدار حكمٍ في القضيّة، في حال ادّعت عائلة الراسي، وهو ما ستقوم به فعلاً.
سنسمع بـ “التمييع” و”اللفلفة” و”ضبّ الملف”، وقد يصل الأمر إلى حدّ التلويح بـ “قبع” القاضي. هذه دولة لا تحترم مواطنيها. لا بل هي تقتلهم أحياناً، كما تقتل أحلامهم.
كنّا نعلم أنّ العيش في لبنان بات صعباً. غياب الكهرباء وفقدان المياه، والدولار والأسعار والدواء المفقود والضمير الغائب… لكنّ الموت صعب، وطرقاتنا باتت مصيدة. حفرٌ وغياب الإنارة وفواصل إسمنتيّة في غير موقعها وإشارات معطّلة ورادارات سرعة مشلولة…
يعني ذلك كلّه أنّ جورج لن يكون الأخير. من التالي؟ ربما كاتب هذه السطور، وربما من يقرأها، وربما واحدٌ من أفراد عائلتنا.
نادين اليوم، أمّا غداً فمن يدري من سيُحرق قلبه؟ هو وطنٌ يحرق القلب كما أحرق غياب جورج قلوبنا.
مواضيع مماثلة للكاتب:
ما بعد الحرب… هزيمة أو انتصار؟ | ويبقى الجيش هو الحلّ… | جبران: رِدّ الصاروخ |