تقارب الكتائب والقوات… خلق مساحات مشتركة ورئيس سيادي إلى بعبدا
كتبت شهير إدريس لـ “هنا لبنان”:
على أبواب الإستحقاق الرئاسي ودخوله حيز التنفيذ مع بدء المهلة الدستورية لإنتخاب رئيس جديد للجمهورية اللبنانية، بدأت القوى السياسية إستعداداتها لمواكبة هذا الإستحقاق المصيري الذي يفرض على الجميع وحتى الخصوم نسج تفاهمات وتحالفات لم تحصل حتى في الإنتخابات النيابية.
حزب الكتائب وحزب القوات يعدان العدة لإرساء مساحات مشتركة عبر لقاءات جانبية غير معلنة يتولاها النائب جورج عدوان عن القوات ونائب رئيس حزب الكتائب النائب سليم الصايغ عن الكتائب لحلحلة التشنج الذي طبع العلاقة بين الطرفين لسنوات، وذلك تحضيراً للمرحلة المقبلة التي قد تؤسس للتوافق في لعبة التعطيل أو الإنتخاب، إضافة إلى إرساء تفاهمات حول ملفات حساسة وإستراتيجية لا سيما رئاسة الجمهورية.
فهل إن التنسيق والتقارب بين الكتائب والقوات سيكون مرحلياً أم أنه سيسعى إلى طي صفحة الماضي وفتح صفحة جديدة تصحح مسار العلاقات بين الحزبين المسيحيين؟
المعلومات تشير الى أن حزب الكتائب لا يزال في مرحلة الحذر على الرغم من تسريب الأجواء التفاؤلية لهذا الإنفتاح على القوات، وتؤكد مصادره لموقع “هنا لبنان” أن النقاشات لا تزال عامة على مستوى كل المواضيع، لكن ملف الرئاسة يلقي بثقله عليها وعلى الإجتماعات التي تعقد مع القوى السيادية والتغييرية في مجلس النواب.
وفيما لم تصل هذه اللقاءات بعد إلى مرحلة زيارة رئيس حزب الكتائب سامي الجميل إلى معراب إلّا أنّ قداس شهداء المقاومة اللبنانية الذي يقيمه حزب القوات في معراب سيشكل خطوة أولى تتمثل بحضور كتائبي وازن. إذ أنّ نائب رئيس الحزب النائب سليم الصايغ والذي يتولى موضوع التنسيق بين الجانبين سيكون ممثلاً لحزب الكتائب في هذا القداس، فيما يستعد حزب الكتائب لإحياء ذكرى إستشهاد الرئيس بشير الجميل في احتفال مركزي في 14 أيلول وسيكون للقوات ممثل أيضاً في هذا الإحتفال بعد مشاركة النائب غسان حاصباني في الإحتفال الذي أقيم في الأشرفية لمناسبة ذكرى انتخاب بشير الجميل رئيساً للجمهورية اللبنانية في العام 1982.
التنسيق الكتائبي القواتي فتح باب الحوار بين الجانبين من أجل تلافي ما حصل خلال إنتخابات هيئة المجلس واللجان النيابية والتنسيق للمرحلة المقبلة لا سيما في الملفات ذات البعد السيادي والإستراتيجي وأهمها رئاسة الجمهورية.
نائب رئيس حزب الكتائب النائب سليم الصايغ فند لموقع “هنا لبنان” طبيعة هذا التقارب مع القوات ومع قوى المعارضة مشيراً إلى أن عليهم التواصل بشكل دائم والسعي لإيجاد قواسم ومقاربات مشتركة للإستحقاقات التشريعية والدستورية من أجل إنقاذ لبنان، كاشفاً أن اللقاءات لا تقتصر على القوات بل تجري أيضاً بين الكتائب واللقاء الديمقراطي وأن هناك مقاربات مختلفة يجري العمل عليها.
وفي إطار الإستعدادات للمواجهة وصف الصايغ اللقاء مع القوات بأنه يحصل من دون بذل جهد كبير، والأهم هو إعادة العلاقات بطريقة سوية بين قوتين سياسيتين لديهما حضورهما وتأثيرهما ولا تحتاجان إلى معرفة بعضهما لأنهما على معرفة جيدة ولديهما تواصل مع قوى سياسية مهمة. والعلاقة مع القوات هي عملية سياسية تبتعد عن مبدأ الثنائيات، وليس صحيحاً أن هناك مشكلة شخصية ما بين سامي الجميل وسمير جعجع بل الإختلاف في الماضي كان على الطريقة في مقاربة الأمور. الكتائب ضد الثنائيات في لبنان من مار مخايل إلى معراب إلى الثنائي الشيعي الذي دمر لبنان وأعطى وكالات حصرية على حساب شريحة واسعة من الناس.
فالتقارب بين القوات والكتائب يريح الناس ويعطيهم أملاً أن هناك دينامية حقيقية قد تؤدي إلى إنقاذ لبنان، كما أنه يريح الساحة المسيحية الداخلية من دون شك، إلا أن الهدف ليس إراحة المسيحيين فقط بل كل أحرار لبنان الذين يتشاركون معنا الدولة كاملة وهي اليوم منقوصة ولا تحمي حدودها وتسمح بقيام قوانين خاصة وعدالة منقوصة وتعطل المؤسسات لا سيما القضائية منها عبر عدم التوقيع على التشكيلات القضائية الموجودة في أدراج وزير المال.
وأضاف الصايغ أن إعادة وصل ما إنقطع هو إعادة الأمور الى مجاريها على أساس أن أي خلاف أو تقارب سيتم عبر عملية سياسية عادية وليس استثنائية أو ضمن إطار عقائدي، والتواجد في معراب الآن يجب أن يؤسس في المستقبل إلى تواصل وتخاطب سياسي روتيني وعادي. إلا أن هناك قواسم وقيماً مشتركة وهناك أولويات هي منع لبنان من الذهاب إلى مكان آخر.
وفي موضوع الإستحقاق الرئاسي رأى أن الأمور لا تزال في إطار البحث والبلورة من أجل تكوين نوع من التحاور والتناغم بين كافة الكتل وأن تبتعد القوات والكتائب عن الثنائية التي تفرض إيقاعها ورأيها على البقية، كاشفاً أن حزبي القوات والكتائب ليس لديهما مرشح للرئاسة ولا يسعيان إلى أي شيء من الإستحقاق الرئاسي، مشيراً إلى أن جعجع سيحسم هذا الأمر خلال كلمته المرتقبة في قداس معراب، وهذا الأمر بحسب قول الصايغ من شأنه تحقيق قوة تأثير أكبر في عملية انتخاب الرئيس لأن المطلوب ليس تكبير الأحجام بل التأثير على الوجهة الأساسية للإنتخابات النيابية.
وفيما يتعلق بالتحضيرات التي تقوم بها قوى المعارضة لمواجهة المرحلة الآنية والمقبلة يرى الصايغ أن هذه القوى لديها عمق شعبي وتنظيم سياسي عريض وعلى أساسه تعد العدة للمواجهة السياسية من أجل تغيير النهج القائم في البلد، وعن مواصفات الرئيس المقبل قال إن العملية أكبر من تأييد رئيس للجمهورية بل هي حول أي رئيس نريد وما هو دوره وماذا سيفعل من أجل إنقاذ لبنان؟
ورأى أن المدخل الحقيقي للإنقاذ والتغيير بدأ من الإنتخابات النيابية كمرحلة أولى والتي كانت مفصلية وأفرزت خطاباً ورؤية جديدة لدى الجميع وأدت إلى عملية إنضاج في المقاربات وحددت مبدأ المحاسبة لدى الناس، كما تطورت من انتخابات عادية تحمل إختلافاً على خيارات سياسية إلى صراع على خيارات وطنية تطرح المسألة اللبنانية بجوهرها. مستشهداً بدعوة البطريرك الماروني للبنانيين بالقول: إنتخبوا هوية وليس أشخاصاً.
هذه الإنتخابات بحسب الصايغ جرت على أسس ومبادىء وعناوين أبرزها: الموقف من السيادة والإصلاح، لكن الأهم أن هذه الإنتخابات أعادت لمجلس النواب نوعاً من التوازن يمكّنه من منع أي محاولة لوضع اليد على شرعية البلد وتوحيد الصف للوقوف بوجه إمكانية إقتراح رئيس من قوى 8 آذار، إضافة إلى حصول تعددية سياسية ودينامية جديدة في المجلس النيابي. أما المرحلة الثانية فتكون بتشكيل حكومة تعكس إرادة الناس وهي لم تكن متوفرة سابقاً.
حذر الكتائب يبدده تفاؤل حزب القوات المتحمس أيضاً للإنفتاح على الكتائب والذهاب بالعلاقات إلى أبعد من حدودها الضيقة، وتشدد مصادر القوات لموقع “هنا لبنان” على أهمية الحوار الذي يجري مع الكتائب والذي من شأنه فتح كوة جديدة في العلاقات بين الحزبين تنسحب بدورها على قواعدهما والتي ترى أن التباعد في هذه المرحلة قد يؤدي إلى إنفراط العقد المسيحي في ظل تخبط القوى المسيحية على أبواب الإستحقاق الرئاسي.
ورأى رئيس جهاز الإعلام والتواصل في القوات اللبنانية شارل جبور أن الإنتخابات النيابية يفترض أن تكون قد وضعت خطاً فاصلاً بين ما هو قبل هذه الإنتخابات وما بعدها لا سيما أن المصلحة الوطنية العليا تجمع ما بين القوات والكتائب لجهة جملة نقاط وأبرزها:
– منع وصول رئيس للجمهورية من قوى 8 آذار أو محور الممانعة
– إستعادة لبنان سيادته وإستقلاله
– مواجهة السلاح غير الشرعي
وأشار جبور لـ “هنا لبنان” إلى أن التباينات بين الحزبين موجودة معتبراً أن هذا حق لكل فريق إلا أن الإنهيار الذي وصل إليه البلد يحتم على الفريقين الإجتماع على المساحات المشتركة والإلتقاء عملياً بعد أن كانوا يلتقون حولها نظرياً، فلبنان وفي ظل هذا الإنهيار وهذه المرحلة الصعبة يتطلب من الأفرقاء الذين يخافون عليه وحدة الموقف ووحدة الصف.
وحول التنسيق الجاري بين نواب القوات والكتائب في مجلس النواب إعتبر جبور أن هذا التنسيق قائم آملاً أن يتوسع من أجل مواجهة التحديات سوياً لا سيما أن الحزبين يجتمعان على أسس وإستراتيجية مشتركة والتي تتطلب المواجهة الفعلية لما فيه المصلحة اللبنانية العليا.
وحول مشاركة الكتائب في قداس معراب لفت جبور إلى أن كلمة رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع ستركز على تشخيص واقع الحال وأسباب الأزمة وخلفياتها والأطراف التي تتحمل المسؤولية فيما وصل إليه البلد إضافة إلى رسم خارطة طريق لكيفية الخروج من هذه الأزمة وتحميل من قام بها المسؤولية. كما ستتطرق الكلمة إلى أهمية العمل على تأمين وحدة موقف معارض من القوات والكتائب والمكونات المعارضة لأنه لا يمكن لأحد منفرداً أن يقوم بأي خطوة قد تؤدي إلى حلحلة الأمور.
وحول التنسيق بين نواب القوات والنواب المستقلين والتغييريين أكد جبور أن الجميع ملزمون بخلق مساحات مشتركة، مشيراً إلى أن المواصفات التي وضعت من قبل النواب 13 التغييريين جيدة وتتلاقى مع مواصفات القوات لناحية وصول رئيس سيادي وإصلاحي وتحقق العدالة والمساواة بين اللبنانيين.
الإنفتاح والتقارب بين القوى السياسية قد يطبع المرحلة المقبلة لا سيما بين الأفرقاء الذين يمتلكون نفس الهواجس في الإستحقاق الرئاسي والمواضيع الجوهرية، حيث أن المواصفات بدأت تتبلور من رئيس سيادي إلى موضوع إنقاذ لبنان وأهمية التواصل مع المجتمع الدولي والدول العربية على قاعدة ضرورة تقديم التنازلات وإجراء التغيير المطلوب والتعاون من أجل منع الفراغ في سدة الرئاسة لوقت طويل وتخطي الأزمة التي تعصف بلبنان.