عادت إلى الجامعة بعمر الـ85.. “هنا لبنان” يحاور السيدة اللبنانية التي تحدّت الزمن!
كتب مازن مجوز لـ “هنا لبنان”:
في الأيام الأولى من دراستها الجامعية وأثناء مشيها داخل أروقة الجامعة الأميركية وهي تشعر بالفخر لتحقيقها حلمها الكبير سمعت شابة تقول لشاب يمشيان بالقرب منها: “هذه الختيارة زميلتنا بالجامعة” ليجيبها: “لا هذا غير معقول”! عندها التفتت مرام قبيسي يميناً وشمالاً لكنها لم تجد ختيارة.
وفي اليوم الثاني نشرت مقالاً بعنوان “إلى زميلتي الشابة” في مجلة الجامعة ليحقق شهرة في الجامعة ويصبح الكثير من طلابها وطالباتها يبحثون عن كبار السن في الجامعة خصوصاً من قرأ منهم عبارة “سمعت حديثكما وفاجأتماني لأنني بحثت عن تلك الختيارة ولم أجدها، وأنا لا أشعر بأنني ختيارة فالسنوات لا تعني لي سوى رقم من الأرقام”.
وتضيف قبيسي في حديثها لـ “هنا لبنان”: “رقم الـ 85 عام لا أتوقف عنده، أتابع حياتي، هذا وقتنا وهو ثمين، وأدعو الشباب اللبناني إلى التفرغ لأنفسهم، فمسؤوليتنا أن نزيدها علماً وثقافةً ومعرفةً، ولنواكب كل جديد في عصرنا، وليس عيباً أن نستعين بأولادنا وأحفادنا، نعطي الأجيال من خبرتنا ونأخذ من خبراتهم ومعلوماتهم”، لافتة إلى أننا وبهذا النهج نعزز ثقتنا بأنفسنا ونشارك في مواضيع الحياة كافة عن معرفة، ونبرهن للعالم بأن الحياة شباب دائم وسعي مستمر للنجاح والتفوق .
قبيسي التي هي اليوم إحدى الطالبات في “جامعة الكبار” المتفرعة عن الجامعة الأميركية في بيروت تصف جامعتها بأنها “النعيم الذي أحياه خلال مشواري الأخير على هذه الأرض، فهي حققت حلمي الكبير وسعادتي التي لا توصف وبالتالي الصحة.
من الجامعة اللبنانية كانت البداية حيث درست سنتين حقوق مع عملها في أحد المصارف، وكان من أبرز زملائها رئيس مجلس النواب نبيه بري والقاضي الدكتور غالب غانم رئيس مجلس القضاء الأعلى سابقاً والنائب السابق زاهر الخطيب، ولكنها توقفت عن الدراسة بعد زواجها وتفرغها لتربية أولادها، ونشوب الحرب الأهلية، ليبقى حلمها متابعة الدراسة الجامعية.
لا تتردد مرام بالتأكيد على أن جامعتها أصبحت “قطعة مني” كما أولادي وأحفادي، وتتابع “أعشق كل شيء فيها حتى التراب الذي أمشي عليه، هي دنيتي الجميلة، أكرمني الله بوجودها وانتسابي إليها”، متوجهة بالشكر إلى مؤسسيها وكذلك إلى الجامعة الأميركية التي احتضنتها “لنصبح طلاباً بدل أن نكون نزلاء دور مسنين” على حد تعبيرها.
لمرام نظرتها الخاصة حيال العلم والتعلم والتفاؤل والكسل والموت تقوم على معادلة لا تتجزأ فالعلم والتعلم ما هما إلا استمرارية، “لم أتوقف يوماً عن التعلم لدي حشرية كي أعرف كل جديد حتى بات الكثيرين يصفونني بالموسوعة” أما الكسل فلم تستسلم مرام له يوماً، وراحت تواجهه بالتفاؤل، حتى أنها لا تخاف الموت “عندما يأتي سأمسك بيده وأسير برفقته حيثما يريد الخالق، منذ أن أتيت إلى هذه الدنيا وأنا اعلم بأن يوم الرحيل آتٍ فلماذا الخوف؟”
أما الهوايات فلها شأن آخر إذ تمتزج بطريقة عفوية مع الأمنيات، فبعد أن كانت مرام تتمنى أن لا تترك هذا العالم من دون أن تضع إسمها على لوحة ها هي اليوم تمتلك في رصيدها الفني 300 لوحة موقعة بإسمها، شاركت بها في العديد من المعارض منها معرض أقيم في الجامعة مع زملاء لها، خصص ريعه لعلاج كبار السن المحتاجين، دون أن يعني هذا النشاط الفني تقصيراً في بقية المواهب حيث تكشف “أمارس المطالعة والكتابة والمشي والسباحة”.
هي الأم لشاب وشابتين تزوجوا جميعهم، عندها شعرت بالحنين إلى الدراسة مجدداً، خصوصاً أن زوجها كان يقضي أوقاتاً طويلة في عمله بالبقاع، وعندما علمت مرام بوجود جامعة للكبار أيقظ هذا الخبر حلمها القديم أيام شبابها، وحينما توفي زوجها في عام 2021 وجدت مواساتها في الدراسة.
وحول رأي أولادها وأحفادها عند رؤيتهم والدتهم وجدتهم تحضر دروسها تعلق: “هم يرون صديقتهم الأكثر نشاطاً منهم، لست بكبيرة في السن وخصوصاً أن التجاعيد تخشى أن تقترب مني، ربما لأنني أتحداها بأسلوب عيشي، وأمشي وأُسرع مثلهم”.
متى ستتخرجين من الجامعة؟ سؤال كان يطرحه الناس عليها بسخرية، واليوم أصبحوا أصدقاء وزملاء لها، وباتت تشارك وإياهم في المحاضرات، فيما ثمة خيارات أمام كل طالب تتمثل بالإنتساب إلى بعض الصفوف “أخذت دروساً في اللغة الانكليزية والكومبيوتر والهواتف الذكية”، كما شاركت في منتدى الكتاب في جلسات مشتركة في القراءة والمناقشة.
قصة مرام تجسد نموذجاً جديداً يثبت ما قاله الفيلسوف والكاتب المصري مصطفى محمود ذات يوم “إياك أن تُصدق بأنك كبرت في السن.. ما جسدُك إلا وعاء توضع فيه روحك”.
الرُّوح لا تشيب ولا تشيخ، والرُّوح من عالم آخر لا تُشبه عالمنا بِشيء، ولا يعلمُها إلا الله.. ما يكشف لنا أحد أسرار مرام في إصرارها على التحليق في عالم التفاؤل والأمل، وفي ثقتها بِالله في كُل خطوة تخطوها.
مواضيع مماثلة للكاتب:
“ابتكار لبناني”.. أملٌ واعد لفاقدي البصر! | بين القوننة والأنسنة.. هل تهدّد التكنولوجيا أطفالنا؟ | لبنان غنيّ بالمياه الجوفية العذبة.. ثروة مهدورة بلا استثمار! |