“الدخان الأبيض”
كتب زياد شبيب في “النهار“:
وردت أسئلة عن نصاب جلسة انتخاب الرئيس رغم وفرة الدراسات وصواب الكثير منها.
لماذا اعتُمد نصاب الثلثين؟
المادة 49 التي تنص على كيفية انتخاب الرئيس لم تحدّد النصاب الذي يجب أن يتوفر لكي تكون جلسة انتخاب الرئيس دستورية. تحدثت عن الأكثرية المطلوبة وهي أكثرية الثلثين في دورة الاقتراع الأولى والأكثرية المطلقة في دورات الاقتراع التي تليها. ولهذا السبب أُعطيت لهذا السكوت تفسيرات منها:
1- أن جلسة الانتخاب لا تحتاج إلى نصاب لأن المشرع الدستوري لو أراد ذلك لكان نصّ على النصاب المطلوب كما فعل في مواقع أخرى، ومشيئته كانت ألا يقيّد انعقاد الجلسة باشتراط نصاب موصوف. وأنه عند سكوت النص تجري العودة إلى النص العام الذي يحدد نصاب جلسات مجلس النواب وهو نص المادة 34 التي تقول بأنه لا يكون اجتماع المجلس قانونياً ما لم تحضره الاكثرية من الاعضاء الذين يؤلفونه أي 65 نائباً.
2- أن النصاب مطابق للأكثرية ولا يُعقل أن تنعقد جلسة من دون نصاب، أو بنصاب أقل من الأكثرية المطلوبة للانتخاب وهي الثلثان.
اعتُمِد الخيار الأخير ولكن بشكل مجتزأ. فتم فرض نصاب الثلثين على الجلسة برمتها وبكامل دورات الاقتراع التي قد تتضمنها وليس فقط في الدورة الأولى. أما الغاية فهي الإمساك بقرار انتخاب الرئيس من خلال فرض التوافق خوفاً من العودة إلى النظام شبه الرئاسي الذي انتهى بتعديلات العام 1990.
إن اعتماد قاعدة نصاب للجلسة مطابق للاكثرية المطلوبة للانتخاب لا يجوز أن يكون مجتزأ، بل يجب أن يكون النصاب متحركاً مثل الأكثرية، كما كتب الوزير رمزي جريج في النهار في 27 آب الماضي. وهذا يعني ثلثان في الدورة الاولى وأكثرية مطلقة في الدورة الثانية. ويعني أن دورة الإقتراع تجري أو لا تجري إذا توفر أو لم يتوفر لها نصابها وأكثريتها المتطابقان، وتنتقل إلى دورة لاحقة. ولا تُرفع الجلسة، لأن جلسة انتخاب الرئيس جلسة واحدة مؤلفة من دورات اقتراع لامتناهية، تستمر حتى خروج الدخان الأبيض.
عملياً اذا لم يتوفر الثلثان في بداية الجلسة، يعني ان دورة الاقتراع الاولى التي تتطلب هذا النصاب تكون غير حائزة على النصاب وتنتقل الى دورات لاحقة تحتاج أكثرية مطلقة ونصاباً مماثلاً من دون توقف حتى انتخاب رئيس. ولا تتوقف عملية الاقتراع المتتالية إذا فشلت دورة الاقتراع الأولى التي تتطلب الثلثين.
إن تفسير الدستور وأي نص تشريعي يجب أن يتم وفق قواعد التفسير المعروفة والتي اعتمدها قانون أصول المحاكمات وتعتمدها سائر النظم القانونية، وهي أنه عند غموض النص يُفسَّر بالمعنى الذى يُحدث معه أثراً يكون متوافقاً مع الغرض منه ومؤمِّناً التناسق بينه وبين النصوص الاخرى. وهذا يعني أن تفسير النص يجب ألاّ يؤدي إلى تعطيل بعضِه بعضَه الآخر.
يعني ذلك أنه يجب ألا يؤدي إعطاء تفسيرٍ لجزء من المادة 49 إلى تعطيل الجزء الآخر منها، أي لا يمكن أن يوضع تفسير لكيفية انعقاد الجلسة وإجراء الدورة الأولى من دورات الاقتراع بشكل يؤدي إلى تعطيل إمكانية حصول الدورات التي تليها. والقول بعكس ذلك أدّى ويؤدّي إلى تعطيل حكم الدستور وتعطيل انتخاب الرئيس وهذا يناقض النص وإرادة واضعيه.
إن تفسير الدستور وتطبيقه خلافاً لأحكامه، لا يمكن أن ينشأ عنه عُرف دستوري، لأنه ينطوي على تعديل للنص من خلال تعطيل إرادة الأكثرية المطلقة التي أراد لها المشترع أن تتمكن من انتخاب رئيس.
في مطلق الأحوال المجلس الدستوري يتولى الفصل في صحة انتخابات رئاسة الجمهورية، كما تنص المادة 23 من قانون إنشائه، في مهلة ثلاثة أيام. فليُطبّق النص وفق قواعد التفسير الصحيحة. هذا هو منطق الدستور وعمل مؤسساته ومبرر وجودها.
مواضيع ذات صلة :
بعد الجلسة “المفاجئة”… احتجاجاتٌ وقطع طرقات! | “نأسف لما حصل بالأمس”… ميقاتي: مصالح الناس وإدارة البلد فوق كل اعتبار | جلسة طارئة لمجلس الوزراء الاثنين |