القوات اللبنانية من بشير إلى سمير
كتب جان الفغالي لـ “هنا لبنان”:
عند انتخاب قائد القوات اللبنانية الشيخ بشير الجميل رئيسًا للجمهورية، خلَفه على رأس القوات المهندس فادي افرام، بقي المهندس افرام قائدًا للقوات حتى أيلول 1984، في هذه الفترة التي امتدت لسنتين، من العام 1982 إلى العام 1984، ماذا حصل للقوات اللبنانية؟
إثر انتخاب الشيخ أمين الجميل خلفًا للرئيس بشير الجميل، سادت “موجةٌ” مفادها أنه “طالما وصل إلى قصر بعبدا رئيس مقاوِم، فلا لزوم للمقاومة”، لكن هذا الهدف يصعب أن يحصل بشطبة قلم بل نُفِّذَت “حرب إلغاء” ناعمة بحق القوات اللبنانية، من خلال محاولة إعادة القرار السياسي إلى المكتب السياسي الكتائبي، والقرار العسكري إلى “مجلس الأمن الكتائبي”.
“رفاق بشير” استشعروا هذه الخطة، لكنهم كانوا محرجين لأنهم لا يريدون أن يصطدموا بالرئيس أمين الجميِّل، كما أن هالة الرئيس المؤسس الشيخ بيار الجميل كانت طاغية، وإن كانوا يلمسون بالممارسة والأداء أن “العهد” يقضمهم خطوة خطوة.
أولى الخطوات إنشاء “قوات 75” وعُهِدت مسؤوليتها إلى المسؤول الكتائبي سامي خويري، ومُنحت “إغراءات” بهدف استمالة عناصر من القوات اللبنانية، وكان يمكن اعتبار “قوات 75” رديفًا للحرس الجمهوري.
الخطوة القاصمة تمثلت في “إبعاد” المهندس فادي افرام عن قيادة القوات اللبنانية و”انتخاب” الدكتور فؤاد أبو ناضر قائدًا للقوات، في العاشر من أيلول 1984، ولم تُعطَ أي “أسباب موجبة” لهذا الإنقلاب، سوى أن الحقيقة تمثَّلت في المجيء بقائد للقوات يسهل للعهد أن يستوعب القوات من خلاله، وهذا الأمر لم يكن ممكنًا تحقيقه طالما أن المهندس فادي افرام على رأس القوات.
بين هاتين الخطوتين، عومِلَت القوات اللبنانية بتهميش فاقع،
ففي مؤتمري جنيف ولوزان لم تُدعَ إلى المشاركة على رغم أن رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط ورئيس حركة أمل نبيه بري كانا مشاركيْن في المؤتمرين، وفُسِّر عدم الدعوة آنذاك بأن لا لزوم لدعوة قائد القوات طالما أن الرئيس الجميِّل ورئيس حزب الكتائب الشيخ بيار الجميل مشاركان.
سنتان من تهميش القوات اللبنانية كاد حضورها السياسي أن يتلاشى: لا مشاركة لها في أي حكومة، لا دعوة لها إلى أي مؤتمر.
جاء قرار المكتب السياسي بإزالة حاجز البربارة نقطةُ تحوُّل، لقي هذا القرار اعتراضًا، وتفاعلت على أثره حركة اعتراضية وصلت إلى الشارع، استشعر الرئيس الجميل بعدم ثبات الأرض، وكان يستعد للسفر إلى موسكو للمشاركة في جنازة سكرتير الحزب الشيوعي السوفييتي قسطنطين تشيرنينكو، وبدلًا من أن يستقل الطائرة إلى موسكو، استقل السيارة إلى الصيفي واجتمع مع المكتب السياسي لدرس تداعيات الوضع، لكن “سبق السيف العزل”: انتفاضة على قيادة القوات اللبنانية التي انحازت تمامُا إلى “العهد”، قوام الانتفاضة : إيلي حبيقة، كريم بقرادوني، سمير جعجع. الانتفاضة شكَّلت استعادة القوات اللبنانية لحضورها السياسي.
الذين يطرحون المقارنة بين بشير الجميل وسمير جعجع، بعضهم يطرح المقارنة من باب “الخبث السياسي” تحت عنوان: “شتَّان ما بين بشير وسمير”، لكن في مقارنة موضوعية، فإن القوات اللبنانية عرفت حضورًا سياسيًا أيام بشير وأيام سمير، ففي أيام بشير سُمِّي وزراء قريبون من القوات ولم يكونوا قوات كالدكتور قيصر نصر والدكتور سليم الجاهل، فيما مع سمير القوات لها حصة وازنة في الحكومات وبوزراء قوات وغير قوات.
وكما كان يُحسَب ألف حساب للشيخ بشير، كذلك يُحسب اليوم ألف حساب للدكتور جعجع.
من باب التاريخ، الذي لا يخطئ والذي معظم شهوده مازلوا أحياء وبإمكانهم الإدلاء بشهاداتهم، ومن باب الإنصاف الذي أصبح نادرًا، فإن سمير جعجع هو من بين الذين يحافظون اليوم على إرث بشير الجميل وعلى حضور القوات اللبنانية كلاعب سياسي أساسي على الساحة اللبنانية، يُحسَب لها ألف حساب، من خلال أكبر كتلة نيابية مسيحية.
حان الوقت للنقاش الجريء فالـ “نوستالجيا” وحدها لا تكفي.
مواضيع مماثلة للكاتب:
راقبوا الميدان… الحرب في بدايتها | لبنان أمام عشرة أسابيع حاسمة | تدمير تحت الأرض.. دمارٌ فوق الأرض |