إرتفاع سعر البنزين وإنخفاض إستهلاكه: “كل واحد يقبع شوكو بإيدو”
كتب مازن مجوز لـ “هنا لبنان”:
قبل أن أصل إلى فرنسابنك في شارع الحمرا لأسحب راتبي لفتتني ثلاثة مشاهد مرتبطة بأزمة النقل والمحروقات: الأول مجموعة من العسكريين كانت تمشي ربما بانتظار وصول “بوسطة” الجيش، أما الثاني فرجل في العقد السادس يقود “سكوتر” (كهربائية)، والثالث امرأة أربعينية تقود دراجة نارية..
فصفيحة البنزين على عتبة الـ ٧٠٠ ألف، ما يعني أن الليتر الواحد أصبح بـ ٣٥ ألف. قبل الإنهيار كانت التنكة (20 ليتر) بحدود الـ ٣٥ ألف. لكن هذه المقارنة لم تعد تجدي نفعاً لأن الأرقام لم يعد لها قيمة، بل أثمان لا قدرة للمواطن على تحملها. ولنتذكر الرفض الكبير لطرح الحكومة في تموز 2019 رسوماً إضافية بقيمة 5 آلاف ليرة، لنجد أن سعر التنكة اليوم يساوي سعر 18 تنكة آنذاك.
إرتفاع البنزين أرغم المواطن اليوم على استخدام الدراجات الهوائية، والكهربائية، والتوك توك، عوضاً عن السيارة.. وبعد أن كانت الدراجات بكل أنواعها، مجرد هواية إلّا أن الأزمة الإقتصادية اليوم، جعلتها حاجة يومية، في زمن شح فيه البنزين، وارتفعت أسعاره. ليس في بيروت وحسب بل باتت ظاهرة مكتملة المعالم في صيدا والنبطية وطرابلس والكثير من مناطق جبل لبنان والبقاع.
هي حلول تخفف من وطأة واقع اللبناني الأليم والمرير ولو قليلاً، والذي لم يفقد الأمل بتغير هذا الواقع نحو الأفضل يوماً ما، ليستعيد مجدداً إستخدامه “المعتاد” للسيارة، وفي لغة الأرقام يتبين أن سعر صفيحة البنزين وصل يوم الثلاثاء في 6 من الشهر الحالي634 ألف ليرة مقارنة بـ 129 ألف ليرة في 22 آب 2021، أي بارتفاع مقداره 505 ألف ليرة ونسبته 391%.
وفي هذا السياق تفيد الدولية للمعلومات في دراسة صادرة عنها في 22 آب الماضي بأن هذا الارتفاع الكبير في الأسعار أدى إلى تراجع في الاستهلاك، فقد وصل متوسط الإستهلاك اليومي في العام 2021 إلى 328 ألف صفحة يومياً وانخفض في العام 2022 إلى 281 صفيحة يومياً أي بتراجع مقداره 47 ألف صفيحة ونسبته 14.3%. وهذا ما يؤشر إلى المزيد من التراجع في الإستهلاك في حال إرتفاع الأسعار عالمياً، أو نتيجة رفع الدعم كلياً عن البنزين أو إرتفاع سعر صرف الدولار.
واليوم بعد رفع الدعم كلياً عن البنزين، بدأ العدّ العكسي لإرتفاع سعر صرف الدولار، وكلما تصاعد سيرتفع معه سعر صفيحة البنزين، والمواطن متروك لمصيره على قاعدة “كل واحد يقبع شوكو بإيدو”، في ظل غياب النية الحقيقية للدولة للسير بأي من الحلول الجذرية.
ويكشف الباحث في الاقتصاد السياسي والاجتماعي الدكتور طالب سعد في حديث لـ “هنا لبنان” أن “كل النمط الاستهلاكي الذي كنا نعيشه سابقاً هو نمط غير طبيعي وغير صحي، والأزمة أتت لتكشف واقعاً إقتصادياً معيناً، ومدى عمق الفجوة بين نمط الإنتاج ونمط الاستهلاك التي كان المعنيون بهذا الملف يحاولون إخفاءها”. لافتاً إلى أنه ليس هناك إنسجام وتآلف ما بين طبيعة الإقتصاد اللبناني وثقافة الاستهلاك، التي تحولت في الفترة الأخيرة بسبب تنامي التسليف المصرفي لأغراض غير إنتاجية إلى ظاهرة أدت إلى تضخم مقنع موجود في قلب النظام، وإلى إنفاق غير مجدٍ.
وبصرف النظر عمن يُعدّ المستفيد الأكبر مما يحصل، يبقى المتضرر الأكبر هو المواطن، وهنا يطرح طالب نظرته للحل “يخفف العبء عن جيوب المواطنين، من خلال إعتماد وسائل نقل حديثة صديقة للبيئة تناسب طبيعة الطرق اللبنانية داخل المدن الرئيسية، مع شرط تأهيلها من جديد، وتأهيل طرق خاصة للدراجات الهوائية للراغبين باستخدامها”، مشيراً إلى ضرورة إقامة شبكة تواصل تجمع كل المناطق، وهذا يؤدي إلى خفض الكلفة.
ويعطي مثالاً المترو في دبي، والذي يربط كل المناطق ببعضها، ففي بلد تعد فيه تكلفة المواصلات مرتفعة جداً تجد فيه وسيلة نقل ثانية للمواطنين للتخفيف عن كاهلهم.
وإذ يؤكد طالب أنه عندما يرتفع سعر البنزين إلى هذا السقف، فإنه من الطبيعي أن يتراجع الطلب عليه مثله مثل أي سلعة، لكنه يصنف كسلعة أساسية وليس ككمالية، متوجهاً إلى كل المعنيين في الملف: “اليوم أصبحنا في واقع جديد يجب التعامل معه بشكل علمي ومدروس، وبشكل ينتج عنه ثقافة إستهلاكية جديدة”.
مواضيع مماثلة للكاتب:
“ابتكار لبناني”.. أملٌ واعد لفاقدي البصر! | بين القوننة والأنسنة.. هل تهدّد التكنولوجيا أطفالنا؟ | لبنان غنيّ بالمياه الجوفية العذبة.. ثروة مهدورة بلا استثمار! |