السيّد سينزل عون عن شجرة تأليف الحكومة خلال أيام
كتب أحمد عياش لـ “هنا لبنان”:
رددت أوساط إعلامية قريبة من رئيس حكومة تصريف الاعمال نجيب ميقاتي كلمة “تفاؤل” عند حديثها عن أجوائه حول المساعي لتأليف حكومة جديدة أو إجراء تعديلات على الحكومة الحالية. وقالت هذه الأوساط أنها تتوقع تطوراً إيجابياً على هذا الصعيد بعد عودة الرئيس ميقاتي إلى بيروت بعد أسبوع مختتماً جولة قادته إلى بريطانيا للمشاركة في تشييع الملكة اليزابيث الثانية وإلى نيويورك للمشاركة في أعمال الدورة العادية للأمم المتحدة.
ويشار في هذا الصدد إلى التصريح الذي أدلى به رئيس الحكومة المكلف في 15 الجاري بعد لقائه رئيس الجمهورية، فقال: “هالمرة قعدنا نص ساعة، مشوار الجايي رح إجي وضلني قاعد حتى تشكيل الحكومة، وما رح روح، رح نام هون”.
بدا تصريح ميقاتي الأخير وكأنه أتى من باب تطرية الأجواء المضطربة بعد مساعٍ خائبة لتأليف حكومة منذ 23 حزيران الماضي أي قبل 3 أشهر إلا بضعة أيام. لكن هذا الانطباع بدده كلام الأمين العام لـ “حزب الله” السيد حسن نصر الله السبت الماضي، عندما أعرب عن الأمل أن يتمكن الرئيسان عون وميقاتي “من تشكيل حكومة في وقت قريب.. المسؤولية الكبرى اليوم تتطلب من الجميع التنازل هنا وهناك والعمل بصدق وجهد لتشكيل حكومة قبل ذلك الموعد، وإذا أمكن في الأيام القليلة المقبلة.”
هل أتت عبارة “الأيام القليلة المقبلة” على لسان السيد في سياق مجازي، أم انها وردت في سياق حرفي، بعكس ما يدور خلف كواليس طبخ الحكومة العتيدة؟
في معلومات الأوساط الإعلامية المشار إليها آنفاً، إنّ هناك اتفاق بدأ يتكوّن بين عدد من الأطراف السياسية من أجل إنهاء أزمة تشكيل الحكومة التي كان من المفترض أن تبصر النور بعد الانتخابات النيابية في أيار الماضي. ومن بين هذه الأطراف الثنائي الشيعي الذي بدا موحداً في الأيام القليلة الماضية بعد تمايز بين مكونيه، حركة “أمل” و”حزب الله”. وقد وصل زعيم الحركة، رئيس مجلس النواب نبيه بري إلى حد المجاهرة علانية في تماهيه مع رئيس الحكومة المكلف لجهة مواصفات الحكومة المقبلة ووقوفه على طرف نقيض مع الرئيس عون وتياره السياسي. فقد رفض الرئيس بري في تصريح إعلامي في 9 أيلول الجاري مطالبة رئيس الجمهورية بتشكيل حكومة ثلاثينية، قائلاً: “من غير الجائز أن يكون أمام رئيس الحكومة على الطاولة 30 رئيس جمهورية قادرين على عرقلة كل الأمور، كما حصل مع حكومة الرئيس تمام سلام بعد الشغور الرئاسي”.
وعلى ما يبدو، وفق المعلومات، أن “حزب الله” اقتنع مع حليفه رئيس حركة “أمل” أن حسم ملف تأليف الحكومة سيقطع الطريق على “الفوضى” التي أشار إليها نصرالله في إطلالته الأخيرة. وهذه الفوضى بانت ملامحها في أزمة المصارف والاقتحامات المتتالية لها، أو في تهديد الرئيس عون المتكرر أنه لن يسمح بإنتهاء ولايته في 31 تشرين الأول المقبل، ولا تزال هناك حكومة تصريف للأعمال.
هل يكفي إتفاق بري ونصر الله حكومياً كي يسلك حل أزمة التأليف طريقه المنشود؟
قبل الإجابة على هذا السؤال، أفادت أوساط حكومية أن رئيس “التيار الوطني الحر” النائب جبران باسيل، والذي يتولى نيابة عن الرئيس عون طرح شروط العهد في بازار التأليف، أبلغ أحد الوسطاء أنه “مستعد لتسهيل قيام الحكومة العتيدة شرط إعطائه من الآن عهداً بأن تكون له الكلمة الحاسمة في إنتخاب الرئيس المقبل للجمهورية”. وعلى ما يبدو أن هذا الشرط لم يلق قبولاً عند “حزب الله” الذي يرفض وضع ملفيّ الحكومة والرئاسة الأولى في سلة واحدة. وأشارت هذه الأوساط إلى أن الحزب أبلغ من يعنيه الأمر أنه سيؤازر تشكيل حسم ملف التأليف الحكومي حتى ولو أدى ذلك إلى تجاوز النائب باسيل وشروطه.
في سياق متصل، يبدو أن هناك انقسام على المستوى السياسي العام لجهة التعامل مع الملف الحكومي وملف الرئاسة الأولى. وقد عكس البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي في عظته الأخيرة أهمية حسم الملفيّن بمستوى واحد من الاهتمام، فطالب “بتشكيل حكومة جديدة قادرة وانتخاب رئيس للجمهورية قبل نهاية عهد الرئيس (عون) أي قبل 31 تشرين الأول”.
في المقابل، قال نصر الله في كلمته في المناسبة الدينية السبت الماضي أنه “يجب حكماً أن تشكل حكومة، لا يجوز أن نصل إلى وقت لا سمح الله يكون هناك فراغ رئاسي وحكومة تصريف أعمال وينقسم البلد حول حق حكومة تصريف الأعمال في القيام بمقام الرئيس أو لا، وندخل في نوع من أنواع الفوضى”.
والآن بالعودة إلى السؤال الوارد آنفاً: هل يكفي إتفاق بري ونصر الله حكومياً كي يسلك حل أزمة التأليف طريقه المنشود؟
في إعتقاد مراقبين أن موقف “حزب الله” هو بيت القصيد عند الحديث عن شروط العهد وفريقه السياسي. لذا، فإن إقتراب نصرالله من بري في الموقف الحكومي، يعني أن الحليف المسيحي للحزب، سيمتثل في نهاية المطاف لضغط الأخير. ولعل هذا الضغط قد مورس فعلاً، ما جعل نصرالله يتكلم عن “الأيام القليلة المقبلة”.
قد يكون هناك مجال للشك في أن قطار الحكومة الجديدة سينطلق خلال أيام. إلا أنها مسألة أيام فقط وتظهر النتائج لهذا الكلام الإيجابي عن قرب انتهاء أزمة التأليف. ولكن، ليست مبالغة في القول منذ الآن، أن العهد “القوي” وفريقه السياسي، لن يكون صاحب الكلمة في آخر الاستحقاقات التي يملك فيها حق النقض “الفيتو” كما فعل مراراً في أعوامه الستّ المنصرمة، وذلك لأن من كان داعماً له طويلاً، قد قرر الآن أن “يمون” على شريكه في “تفاهم مار مخايل”، كي يتقبل بهدوء كلمة السيد.
مواضيع مماثلة للكاتب:
تفاؤل بري وابتسامة لاريجاني | “مرشد” لبنان و”بطريرك” إيران | تفليسة “تفاهم” مار مخايل في عملية البترون |