وصيٌّ جديد على لبنان… بالمال
كتب ناشر “هنا لبنان” طارق كرم:
يملك الكثير من السياسيّين اللبنانيّين، في جيناتهم ربما، لوثة الانبطاح أمام الغريب والانصياع له وتلبية رغباته.
هناك من تعامل مع العثماني، حين كان محتلًّا، ثمّ تعامل مع المنتدب الفرنسي، ومن انحاز مرّةً إلى مصر عبد الناصر، ومرّاتٍ إلى سوريا الأسد، وإلى الفلسطينيّين وأبو عمّارهم. وتكثر الأمثلة، وتُخجِل.
“تشطّ رَيلة” البعض أمام الخارج. وإذا أراد أحدهم الوصول إلى موقع، يبدأ مشواره من تعزيز علاقاته مع موظّف في سفارةٍ ما. وفي زمن المحاور، هناك من يظنّ أنّه يمكنه أن يرضي الولايات المتحدة الأميركيّة وإيران في الوقت نفسه، فيشكّل تقاطعاً بين دولتين. خرافات سياسيّين لبنانيّين تجاوزوا بفسادهم ما نسمعه عن فسادٍ في بعض دول أفريقيا وأميركا اللاتينيّة، وتجاوزوا بصغر عقولهم بعض ما نشاهده في الأفلام عن شخصيّات ديكتاتوريّة كاريكاتوريّة.
وفي الفترة الأخيرة، انضمّ إلى لائحة الجهات الخارجيّة التي “يرتخي” أمامها المسؤولون في دولتنا، صندوق النقد الدولي الذي يسعى كثيرون، لاهثين منبطحين، لإرضائه. كما يتسابق المسؤولون، بدءاً من رأس الهرم الذي أوشك على الرحيل، للإيحاء بأنّ الصندوق راضٍ عن قراراتهم.
ومن يدافع عن الموازنة وما فيها من بنودٍ كارثيّة، يتحجّج بأنّها تلبّي رغبة صندوق النقد الدولي.
ولكن مهلاً، ماذا سيقدّم لنا الصندوق، ومقابل أيّ ثمن، وهل سيعطينا أكثر ممّا نملك؟
يحتاج النهوض إلى قرارٍ سياسي واضح بتأمين الاستقرار في البلد، بدءاً من انكفاء حزب الله إلى السياسة بدل الأمن، وتشكيل حكومة تعمل بعيداً عن الأجندات السياسيّة الخاصّة مستعينةً بخبرات لبنانيّة ناجحة في الخارج وفق خطّة تعافٍ مدروسة ومنطقيّة وقابلة للتطبيق. ثمّ تتلاحق الخطوات وتصبح سهلة، ومتى استعيدت الثقة لا يعود شيءٌ مستحيل، ويمكن النهوض بالقطاعات المتعثّرة، بدءاً من الكهرباء، عبر الشراكة بين القطاعين العام والخاص، وذلك سهل وبسيط إن قرّرت الطبقة السياسيّة أن تبني دولةً بدل المزارع الطائفيّة.
فيا أيّها النوّاب اللاهثون وراء صندوق النقد، وكأنّكم تكرّسونه وصيّاً جديداً وقد شبعنا وصايات واحتلالات، والمقبلون على التصويت على موازنة عامٍ بات في خريفه وتفتقد للرؤية الاقتصاديّة والاجتماعيّة، تمهّلوا قليلاً وشدّوا ركابكم المرتخية، واستفيدوا من خيرات هذا البلد وثرواته، للنهوض من جديد، فلا صندوق النقد سيصنع المعجزات، ولا تعين مريض السرطان أدويةٌ تزيده ألماً، بل يحتاج إلى علاجٍ.
علاج الاقتصاد اللبناني يبدأ من الداخل. من الإدارات المهترئة نفسها. ويبدأ، خصوصاً، من الإرادة السياسيّة، فمتى حضرت نهض البلد، ومتى غابت لن يبقى لنا سوى التهليل لوفود صندوق النقد التي لم يتبقَّ سوى تخصيص مكاتب لها في عنجر…
مواضيع مماثلة للكاتب:
35 عاماً… فهل نعطي رينيه معوض حقّه؟ | ما بعد الحرب… هزيمة أو انتصار؟ | ويبقى الجيش هو الحلّ… |