أطفال “البحر” في طرابلس.. بأيّ ذنبٍ قُتِلوا!
كتبت نسرين مرعب لـ “هنا لبنان”:
30 جثة ما زالت راقدة تحت المياه منذ 23 نيسان الماضي، و50 مفقوداً فقدوا في البحر في زورق كان متجّهاً إلى إيطاليا ولا معلومات حول مصيرهم، وجثث لم يحصَ عددها حتى اللحظة على شاطئ طرطوس… هذه الأرقام إحصاء للموت في لبنان، وتحديداً في طرابلس، في وطن فقد كلّ مقوّمات الحياة، فرمى أهله بأنفسهم وأطفالهم في التهلكة!
“هون ميت”، يقول أحد الراغبين في الهجرة غير الشرعية لـ “هنا لبنان”، غير مبالٍ بالكوارث التي نسمعها كل يوم، ولا بالمخاطر ولا باحتمال الموت غرقاً وهو احتمال يتضخّم يوماً بعد يوم!
فبالنسبة له، هو يحيا في الجحيم. وهنا لا أفق، لا أمل. فهو يطمح لمستقبل أفضل!
هل تعرف ماذا ينتظرك؟ نسأل. يصمت، وهو يعرف جيداً الأهوال التي سيعانيها، والمخاطر التي تمتدّ بحراً وبراً، والأيام والليالي الطويلة والقاسية حتى يصل إلى برّ الأمان، وهو ليس برّ الجنّة فهناك معاناة أخرى في البلد التي يقصدها، وتستمر لأشهر وسنوات حتى يكسب صفة “لاجئ”!
لا يهتم المهاجر بما ينتظره، هو فقط يريد الهروب، من المافيات الحاكمة، ومن الجوع، ومن صوت بكاء طفله الذي لا يملك ثمن علبة الحليب له، ولو وجد المال فالحليب نفسه بات مفقوداً!
يتهامس أبناء طرابلس حول طموح الهجرة، هاجسهم هو تأمين المبلغ المالي الذي يفرضه المهرب، وهم على استعداد لخوض هذه المغامرة بأيّ ثمن.
إحدى الأمهات هرعت لإنقاذ ابنها في اللحظة الأخيرة قبل أن يركب الزورق الذي قطع اتصاله.
“وضب حقائبه سرّاً لم ننتبه له”، تقول لـ “هنا لبنان”، مضيفة: “لولا جارتنا التي ضبطت ابنها وهو مسافر وعلمنا منها أنّ ابننا معه لكان اليوم في عداد المفقودين”.
هذه الأم أسعفها القدر، فاستطاعت أن تنقذ ابنها بعدما لحقت به إلى نقطة الانطلاق، صرخت هناك، وأنزلته من الزورق رغماً عنه وعادت به إلى المنزل كمن لديه كنز يخاف عليه من الموت!
هي ليست المرة الأولى، تؤكد الأم، فللشاب العشريني محاولة سابقة، وفي حينها استطاع عمّه منعه وردعه، فداهمه ليلاً وهو يحاول التسلل!
الشاب وفق شقيقته مصمم على الهروب من هذا الجحيم، والعائلة على أعصابها، تصارع هاجس أن يغافلها يوماً ويحقق مراده!
إلى ذلك، يبقى الضحية الأكبر في عاصفة الموت هذه، هم الأطفال، وهنا السؤال: ما ذنب هؤلاء؟ لماذا الرمي بهم في التهلكة؟ لماذا الإصرار على تعريضهم لخطر موت شبه محتّم؟
ولهذا السؤال إجابة مأساوية عند الطامحين للهجرة، فيتفق بعضهم على مبدأ أو نحيا بكرامة نحن وأطفالنا، أو ليكن البحر مقبرتنا!
مواضيع مماثلة للكاتب:
أين لبنان؟.. يا فيروز! | سليم عياش.. “القاتل يُقتل ولو بعد حين”! | نعيم قاسم “يعلّم” على الجيش.. الأمين العام “بالتزكية” ليس أميناً! |