كيف ينعكس الوضع الإقتصاديّ الصعب على صحّة الأولاد النفسيّة؟
كتب أنطوني الغبيرة لـ “هنا لبنان”:
المشاكل الإقتصاديّة والإجتماعيّة التي تعاني منها أغلب العائلات اللّبنانيّة تؤثر بشكل مباشر على بنية المجتمع. وبمجرّد مقارنة الأوضاع التي نعيشها اليوم مع السنوات السابقة، ندخل في دوّامة من الخوف وعدم الإستقرار. الصحّة النفسيّة تتأثّر بجميع العوامل المحيطة بالفرد، وهي لا تميّز بين الأعمار. نحن اليوم على مشارف بداية العام الدراسيّ؛ كيف ينعكس الوضع الإقتصاديّ الصعب على صحّة الأولاد النفسيّة؟
للإحاطة أكثر بالموضوع، تواصل “هنا لبنان”مع المعالجة النفسيّة “مارتين الزغبي”، الّتي اعتبرت أنّ الأولاد اليوم بشكل عام ليسوا بحالة إكتئاب؛ إنّما خلال الفترة الأخيرة – مع إنتشار فيروس كورونا والأزمة الإقتصادية اللبنانية – هم يعانون من القلق. ذلك نتيجة إنخراطهم بالجوّ العام ومشاكل أهلهم بالإضافة إلى وعيهم بأنّ هناك أموراً كثيرة قد لا يمكنهم الحصول عليها. إنفجار ٤ آب سبّب قلقاً كبيراً لدى الأولاد؛ وبالإضافة إلى القلق لا يمكن إغفال حالة الحرمان التي يعاني منها الأولاد وهي مرتبطة بنمط العيش. هذه الأسباب تؤثر بشكل مباشر على الصحة النفسية للأولاد ونحن أمام جيل مختلف عن الّذي سبقوه.
وأكّدت أنّ هناك صعوبات واضطرابات عديدة نتجت عن التعلّم عن بعد الذي لم يكن لا مثمراً ولا جديّاً بحسب الزغبي، كزيادة الصعوبات التعلميّة فهناك قسم من الأولاد يعانون من صعوبات نتيجة تراكم المواضيع التي لم يستطيعوا تعلّمها؛ أمّا الإضطرابات التعلميّة المتعلقة بالتركيز والذاكرة والإنتباه فسببها قلّة المتابعة من قبل الإختصاصيين والتي أثّرت على الأولاد.
مُضيفةً، “مع العودة الحضوريّة إلى المدارس نلاحظ أنّ نسبة الضجر لدى الأولاد أصبحت أكبر، وفقدوا الشهيّة للدرس! وأصبح الولد متعلّقاً بالإلكترونيات أكثر، مما يسبب حالات “إدمان” وارتباطاً مباشراً من الأطفال بالشاشة وخوفاً من ترك هاتفهم لكي لا يشعروا بقلّة الأمان”.
أمّا في ما يتعلّق بوضع الأهل الصعب سواء من الناحية النفسية أو الإقتصادية، أشارت الزغبي أنّ الأولاد وخاصةً خلال تواجدهم في المنزل يشعرون ويتفاعلون مع ردات فعل أمّهاتهم أو سكوت آبائهم، ممّا يعجّل طريقة اكتشافهم للأمور. الصحة النفسية للأهل تؤثر بشكل مباشر على الصحة النفسية للأولاد. مثلاً “عندما يزورنا كمعالجين نفسيين ولد يعاني من قلق، يكون أحد أهله أو الإثنين يعانون من قلق، بسبب إمّا طريقة التربية أو الوضع الإقتصادي الجديد الّذي لم يستطيعوا وضع حدّ له ولتداعياته على نفسيتهم وإنعكاسها على أولادهم”.
وأردفت، الوضع الإقتصادي في لبنان يؤثر على الأهل، غير أنّه ليس بالجديد لكنّنا في عصر “السوشيل ميديا” وبالتالي تأثر الأهل بعناوين الأخبار التي تشكّل مصدر قلق واكتئاب لهم، وينعكس ذلك سلباً على وضع أطفالهم. فحالة الحرمان تولّد حسب شخصية الولد والتربية داخل المنزل، إمّا مرونة بالتعامل مع الأوضاع وينتج عنها القوّة أو يؤدي الحرمان إلى إكتئاب وهذا يختلف بين عائلة وأخرى!
في السنتين الأخيرتين أصبح هناك قلّة تواصل في المنزل، وقد تدفع الطفل لمعالجة مشاكله بنفسه. بالمقابل الأم المكتئبة لا تستطيع دعم أولادها والإهتمام بهم وتدريسهم ولا تستطيع العائلات تخصيص أساتذة خاصة لأولادهم. وبالتالي أصبح هناك تأثير على نتائج المدرسيّة للأولاد مرتبطة بالمشاكل الإقتصادية والإجتماعيّة للأهل”.
الزغبي اعتبرت أنّ لا حلول سحريّة للمحافظة على الصحة النفسية للأولاد لكن هناك عناوين عريضة. يجب على الأهل مصارحة أولادهم بوضعهم الإقتصاديّ والإجتماعيّ، لكن تختلف الطريقة بحسب الأعمار، وانتقاء الكلمات ضروريّ لعدم التأثير سلباً على الولد. “فالحقيقة بكلمات مبسّطة، وإيصال فكرة أن الأهل سيستطيعون تأمين حاجات أولادهم لكن بسبب الوضع الإقتصادي الصعب قد لا يستطيعون تأمين رغباتهم التي يمكننا التخلّي عنها تجعل الولد أكثر تقبلاً لوضعه”.
وختمت الزغبي، الوقت الآن مناسب جداً لتربية الأولاد على التمييز بين الحاجة والرغبة لتقبلهم الوضع وابتعادهم عن الإكتئاب وإيجاد الحلول البديلة. الأهل الّذين يعانون من وضع إقتصادي صعب عليهم طلب المساعدة واللّجوء إلى الجمعيات أو المؤسسات وعدم ترك القلق والإكتئاب يسيطران عليهم، لأنهما يؤثران أيضاً على أولادهم. وعلى الأهل التواصل أكثر مع المدرسة وعرض مشاكلهم، وإقامة حوار بنّاء أكثر مع أولادهم مبنيّ على إحساس الولد وتحليله.
قد لا نستطيع في لبنان تغيير الواقع الّذي نعيشه، لكننا بالتأكيد نستطيع حماية أولادنا من خلال إحاطتهم بشكلٍ أكبر من جهة وعدم إخفاء الحقيقة عنهم من جهة أخرى. لكنّنا لا نستطيع رعاية أولادنا قبل البدء بأنفسنا والبحث عن سبل حماية صحّتنا النفسية، ومحاولة الابتعاد عن هموم ومشاكل الحياة.