الهروب الجماعي في القوارب المطاطيّة: الموت الإرادي!
كتب رامي الريّس لـ “هنا لبنان”:
كثيرة هي علامات السقوط اللبناني، وكثيرة هي دلالات الانهيار الأخلاقي والسياسي. لقد أخذ الانهيار مسارات متعددة، وكلف اللبنانيين الأثمان الباهظة في كرامتهم وقوتهم وعيشهم الكريم. ولكن، رغم فداحة كل ذلك ودراماتيكيته، ليس هناك ما هو أكثر فظاعة من أنباء قوارب الموت التي صارت تعد بالعشرات وأصبحت بمثابة ظاهرة يوميّة يشهدها الشاطئ الشمالي اللبناني.
أغلب الظن أن الكثير من اللبنانيين لم يكترثوا لموجات الهجرة القسريّة التي تعرّض لها الشعب السوري منذ أن تفجرّت الحرب بثوبها المحلي ومساحيقها الإقليميّة والدوليّة، وعندما باتت قوارب المهاجرين تُبتلع من البحار بُعيد مغادرتها اليابسة وقبل وصولها بكثير إلى مراميها الأوروبيّة.
وأغلب الظن أيضاً أن موجات التهجير القسريّة للفلسطينيين منذ ما قبل إعلان دولة إسرائيل سنة ١٩٤٨ التي جرت نتيجة أعمال الإجرام والإرهاب التي نفذتها العصابات الصهيونيّة في القرى والمدن الفلسطينيّة لا تعني شرائح كبيرة من اللبنانيين إلا من زاوية رفضهم التوطين في لبنان، وهو طلب محق ولكنه يصبح أكثر مشروعيّة وإنسانيّة إذا ما إقترن بالتأكيد على حق العودة.
أما مشهد لحاق المئات من الأفغان بالطائرة العسكريّة الأميركيّة التي تنطلق مسرعة من مدرج مطار كابول، فهو خرج من الذاكرة الجماعيّة الدوليّة، فكيف إذاً باللبنانيّة؟ لقد تُرك هؤلاء لقدرهم تحت رحمة حركة “طالبان”.
المهم في كل ذلك يتصل بالانزلاق اللبناني إلى مشاهد الهروب الجماعي في القوارب المطاطيّة الرخيصة، ووقوع عدد كبير من المواطنين ضحايا اليأس والذل وضحايا الجشع والطمع من قبل المافيات المنظمة التي لم تجد من يردعها أو يضع حداً لمغامراتها الفاشلة التي تكبّد لبنان خسائر بشريّة هائلة.
أن يقول مواطن فقد شقيقه في مركب للتو بأنه مستعد لتكرار تجربة شقيقه البائسة نظراً لفقر حاله وإنسداد الأفق تماماً في وجهه؛ فهذا يعني السقوط المدوي والانتحار الإرادي.
الأهم من كل ذلك هو حالة اللامبالاة شبه التامة لما يُسمّى سلطات رسميّة التي لا تكترث سوى إلى الوزارات والمكاسب والمغانم حتى ولو كان في بلد مفلس. أيجوز أن تكون طرابلس أفقر مدينة على شواطئ المتوسط وبعض أبنائها من أثرى أثرياء العالم العربي وأن تكون في الوقت ذاته هي المدينة الأكثر تصديراً للمهاجرين البائسين؟
مهما تكدست الثروات، فإنها لا تصنع الأخلاق!
مواضيع مماثلة للكاتب:
7 أكتوبر: منعطف جديد في الشرق الأوسط! | لبنان يُهمَّشُ أكثر فأكثر! | إلى متى انتظار تطورات المشهد الإقليمي؟ |