ثلاث نسخ لعرض هوكشتاين: هكذا يتعامل الأميركيون مع عون
كتب أحمد عياش لـ “هنا لبنان”:
على جناح السرعة، ووفقاً لما ذكرته الوكالة الوطنية للإعلام، يستقبل رئيس الجمهورية العماد ميشال عون عند الساعة الثالثة من بعد ظهر اليوم الإثنين في قصر بعبدا، رئيس مجلس النواب نبيه بري ورئيس الحكومة نجيب ميقاتي، للبحث في الرد الرسمي على العرض الذي سلمه الوسيط الأميركي آموس هوكشتاين للبنان حول ترسيم الحدود البحرية الجنوبية. ويسبق الاجتماع الرئاسي الثلاثي اجتماع للجنة التقنية في القصر الجمهوري.
ويأتي نبأ الوكالة بعد نحو 24 ساعة على قيام سفيرة الولايات المتحدة الأميركية في لبنان دوروثي شيا بتسليم الرئيس عون العرض المكتوب الذي أعده الوسيط الأميركي، وكذلك نسخة مماثلة لهذا العرض لكل من رئيسي البرلمان والحكومة.
إذاً، سلمت السفيرة الأميركية ثلاث نسخ لعرض هوكشتاين. علماً أن الطرف الرسمي المكلف وحده عقد المعاهدات الخارجية بحسب الدستور هو رئيس الجمهورية. ولما كان الأمر كذلك، فلماذا كانت هناك 3 نسخ للعرض المكتوب؟
قبل إطلاق الاحكام في هذا الأمر، لاحظت أوساط سياسية أن الرئيس بري كانت له الإطلالة الأساسية في يوم تسليم العرض الأميركي المكتوب. فهو وصف هذا العرض بأنه “يلبّي مبدئياً المطالب اللبنانية التي ترفض إعطاء أي تأثير للاتفاق البحري على الحدود البرية”. كما أن السفيرة الأميركية إختارت مقر الرئاسة الثانية لتقول: “الجو إيجابي جداً”.
في معطيات أوساط مواكبة لملف الترسيم البحري بين لبنان وإسرائيل، أن الجانب الأميركي وضع ثقله في الوساطة التي يقودها هوكشتاين، وهو يدرك أن الرئيس عون الذي بقي له في قصر بعبدا أقل من شهر، حريص على أن يمهر اتفاق الترسيم المرتقب بتوقيعه. في حين أن الأنظار تتجه إلى سلوك “حزب الله” حيال هذا الاتفاق. من هنا، ووفقاً لمعطيات هذه الأوساط، يحرص الأميركيون على عدم ذهاب مسعاهم في متاهات الحسابات الخاصة، مثل توظيف رئيس الجمهورية في آخر عهده، “إنجاز” الترسيم البحري لمصلحة وريثه السياسي النائب جبران باسيل.
يدرك الجانب الأميركي أن التعامل مع مسؤول إقتربت ولايته من نهايتها محفوف بالمحاذير. وفي المقابل، يبدو أن الطرف الرسمي الوحيد الذي هو مستقر في موقعه هو الرئيس بري الذي أصبح مجدداً رئيساً للبرلمان هذه السنة ولغاية العام 2026.
من أجل إدراك حجم الاهتمام الأميركي بملف الترسيم، يمكن قراءة ما ورد في صحيفة النيويورك تايمز قبل أيام، فكتب كليفورد كراوس تحت عنوان “اتفاق الحدود بين إسرائيل ولبنان يمكن أن يزيد من إمدادات الغاز الطبيعي” يقول :”يمكن أن تصبح حقول الغاز البحرية في البحر الأبيض المتوسط واحدة من عدة مصادر جديدة للطاقة للدول الأوروبية في سعيها للاستقلال عن روسيا”. وفي رأي الصحيفة “أن إسرائيل ولبنان في حالة حرب من الناحية الفنية منذ عام 1948، لكن البلدين يقتربان من التوصل إلى اتفاق يمكن أن يزيد من إنتاج الغاز الطبيعي ويساعد أوروبا المتعطشة للطاقة”.
وبحسب النيويورك تايمز، لن تعوّض زيادة الإنتاج عن الغاز الذي لم تعد أوروبا تحصل عليه من روسيا. لكن خبراء الطاقة يقولون إن الاتفاق الإسرائيلي اللبناني يجب أن يعطي دفعة حيوية للجهود الرامية إلى إنتاج المزيد من الغاز في هذا الجزء من العالم. على مدى السنوات الأربع الماضية، كان إنتاج الطاقة في شرق البحر الأبيض المتوسط ينمو حيث عملت إسرائيل ومصر والأردن وقبرص معاً للاستفادة من النفط والغاز المدفونين تحت سطح البحر.
وقال شريف سوقي، الرئيس التنفيذي اللبناني الأميركي لشركة تيلوريان، وهي شركة غاز طبيعي مسال مقرها في هيوستن: “هذه خطوة مهمة جداً للمنطقة لكي تأتي بمفردها. اللاعبون يدركون أخيراً أنه من الأفضل التعاون بدلاً من القتال المستمر”.
وستؤثر المفاوضات الإسرائيلية اللبنانية بشكل مباشر على حقل كاريش، الذي من المقرر أن ينتج الغاز للاستخدام المحلي الإسرائيلي. ومن المتوقع أن يحل هذا الوقود محل الغاز المنتج من حقول أخرى، والذي يمكن تصديره بعد ذلك. ومن المتوقع أيضاً أن ينتج الحقل الجديد كمية صغيرة من النفط.
وتنتج شيفرون، ثاني أكبر شركة نفط وغاز أميركية، والعديد من الشركات الصغيرة بالفعل الغاز من حقلين أكبر قبالة الساحل الإسرائيلي. وقد حل هذا الوقود بشكل متزايد محل الفحم في محطات الطاقة والمصانع في البلاد. وتمتلك إسرائيل الآن الكثير من الغاز لدرجة أنها أصبحت مصدراً صافياً للطاقة، وترسل الوقود إلى جيرانها مثل الأردن ومصر. كما وجد بعض هذا الغاز طريقه إلى أوروبا وأجزاء أخرى من العالم من محطات تصدير الغاز المسيّل في مصر.
وقد شجعت الحكومة الأميركية، عبر العديد من الإدارات، نمو تجارة الغاز في المنطقة من خلال المساعدة في التفاوض على صفقات بين الدول التي كانت علاقاتها متوترة منذ فترة طويلة. وسرعت الأزمة الأوكرانية الجهود المبذولة لاستكشاف وإنتاج الغاز الطبيعي بسبب ارتفاع تكلفة الوقود في أوروبا، حيث تسعى الدول بشدة لإنهاء اعتمادها على الغاز الروسي.
وتناقش شيفرون وشركاؤها الإسرائيليون إمكانية بناء منصة عائمة للغاز الطبيعي المسال في حقل ليفياثان للغاز، وهو الأكبر في إسرائيل. ومن المتوقع أن تتخذ الشركات قراراً بشأن المشروع في غضون بضعة أشهر.
إنّ حقول الغاز في البحر الأبيض المتوسط هي واحدة من العديد من الموردين الجدد الذين ستحتاج إليهم أوروبا في سعيها إلى بديل طويل الأجل للغاز الروسي. ومن بين الموردين الآخرين شركات الطاقة العاملة في الولايات المتحدة وقطر وأفريقيا وبحر قزوين وبحر الشمال.
بالعودة إلى الحسابات الداخلية، فيبدو أن التنافس على أبوة “إنجاز” الترسيم البحري، سينطلق مجدداً وبقوّة إبتداءً من اليوم. وحتى الوصول مجدداً إلى طاولة المفاوضات غير المباشرة في الناقورة مجدداً دونه احتمالات شتى بينها من دون أي شك، كيف سيوظف العهد إتفاق الترسيم في المسار السياسي لـ “التيار الوطني الحر”. في المقابل، يجب عدم إسقاط حسابات سائر الأطراف الداخلية وإسرائيل على السواء. من هنا لا بد أن هناك من لفت إنتباه الرئيس عون إلى أن نسخة العرض المكتوب الذي تلقاه من الوسيط الأميركي لم تكن النسخة الوحيدة، وبالتالي عليه أن يعلم أنه ولغاية 31 تشرين الأول الجاري لن يكون الأول على سلم المفاوضات الأميركية.
مواضيع مماثلة للكاتب:
فخامة بري ودولة “الحزب” | تفاؤل بري وابتسامة لاريجاني | “مرشد” لبنان و”بطريرك” إيران |