اتفاق الطائف بين نصوص الدستور اللبناني… لماذا لا تطبق بنوده؟
ترجمة “هنا لبنان”
برزت الأسبوع الفائت حملة شبه منظمة في لبنان، شارك فيها رؤساء حكومات ووزراء ونواب ومرجعيات دينية وقادة أحزاب سياسية وصحفيون ووسائل تواصل اجتماعي ونساء ورجال من مختلف المنظمات والدوائر والمناطق والانتماءات، مطالبين بتنفيذ بنود اتفاق الطائف المعلن عام 1989، إلا أن توقيت الحراك يفتح باب التساؤل عن سبب انطلاقه الآن؟
وطرح مقال نشره موقع “middle east monitor” جملة تساؤلات ربطت بداية بين توقيت الحملة وبيان نيويورك الذي أصدره وزراء خارجية أميركا وفرنسا والمملكة العربية السعودية، الذي شدد على ضرورة “الالتزام باتفاق الطائف الذي يحفظ الوحدة الوطنية والسلم الأهلي في لبنان”؟ وهل في الحكومة اللبنانية من يعارض هذا الاتفاق أو يدعو إلى تجاوزه؟
أم أن وزراء خارجية الدول الثلاثة، قد أعطوا تعليمات إلى الحلفاء لإثارة هذه القضية في هذا التوقت الحساس، وإن كان الأمر كذلك فلماذا؟
وبعيداً عن أهداف الحملة، لفت المقال إلى أنه لا بد من تذكير جميع المعارضين والموالين على حد سواء، بأن معظم الإصلاحات التي نصّ عليها اتفاق الطائف، جزء لا يتجزأ من الدستور اللبناني، وذلك بعدما صاغت حكومة الرئيس سليم الحص مشروع قانون تم من خلاله إدراجها ضمن الدستور، ووافق عليه مجلس النواب في الـ 21 من سبتمبر 1990.
ومن أبرز هذه الإصلاحات تشريع مقدمة للدستور، إضافة إلى تعديل 31 مادة في الدستور، ومما جاء فيها:
المادة 22 ، التي تنص على انتخاب مجلس نواب على أساس وطني غير طائفي، ومجلس الشيوخ صلاحياته محدودة في القضايا المصيرية.
والمادة 24 التي تنص على توزيع المقاعد النيابية بالتساوي بين المسيحيين والمسلمين.
المادة 95 التي تنص على إلغاء الطائفية السياسية وفق خطة مرحلية.
ولكن هل توجد دولة في العالم غير لبنان تخلفت عن تطبيق الكثير من أحكام دستورها لأكثر من 32 عاماً؟
كما ربط المقال التأخر في تطبيق أحكام الدستور بتبني نظام المحاصصة الطائفية بكل تعقيداته وفساده منذ إعلان الاستعمار الفرنسي دولة لبنان الكبير عام 1920. إضافة إلى سيطرة وفساد رموز الأنظمة الحاكمة وتقديم مصالحهم الخاصة على المصلحة الوطنية، ناهيك عن المواقف المتطرفة الصادرة عن المرجعيات الدينية.
يضاف إلى كل ذلك الدور الذي تلعبه المصالح التجارية والمحتكرون المتحالفون مع بعض أركان السلطة لنهب الموارد الاقتصادية الوطنية، إضافة إلى تدخلات أوروبية وأميركية ودول أخرى إقليمية لها مصالح ونفوذ في لبنان.
وفي ظل هذه التحديات والمعوقات التي حولت لبنان إلى دولة فاشلة تعاني انهياراً اقتصادياً واجتماعياً مريراً، حيث بات قاب قوسين من الفوضى العارمة، يطرح سؤال عن الحل لذلك، ولعل الجواب الشافي يكمن في تطبيق أحكام الدستور لأنه الوثيقة السياسية والاجتماعية الوحيدة التي تلقى قبولاً في البلاد، بعد إضافة معظم إصلاحات اتفاق الطائف إليه.
هناك مبادرات ومشاريع عدة لمختلف القوى والهيئات والقادة في لبنان التي لا يمكن حصرها في مقال، إلا أنه يمكن تلخيصها بنقاط مشتركة تمثل مبادرة الإنقاذ التي طورتها القوى الوطنية التقدمية المستقلة وتتضمن إصلاحات بعضها قديم وبعضها الآخر جديد.
وفق المقال، في البداية يمكننا بناء تحالف وطني واسع للتغيير والإصلاح ببرنامج يتضمن الأولويات السياسية والاقتصادية والاجتماعية الأكثر إلحاحًا، ولعل أبرزها توفير الغذاء والدواء والرعاية الصحية والكهرباء والنقل.
وبعد ذلك لا بد من إقناع حزب الله بأن يضع أولوية المقاومة ضد الاحتلال الإسرائيلي، جنبًا إلى جنب مع أولوية أخرى لا تقل أهمية عنها، وهي النضال الجاد والطويل الأمد بالتعاون مع القوى الوطنية الفاعلة للتغلب على نظام المحاصصة الطائفية سلمياً وديمقراطياً دون إهمال المتطلبات السياسية والدستورية. ويشمل ذلك تشكيل حكومة جديدة بكامل الصلاحيات، وانتخاب رئيس جديد ضمن المهلة الدستورية.
كما أنه على القوى الوطنية التعاون في إقرار قانون انتخاب ديمقراطي يضمن صحة وعدالة التمثيل الشعبي من خلال تنفيذ أحكام الدستور، وخاصة المواد 22 و 27 و 95.
ويرى كاتب المقال أنه لا بد من أن يبادر التحالف الوطني للتغيير والإصلاح، إلى جانب القوى الوطنية الأخرى، إلى اعتماد سبيل لانتخاب جمعية تأسيسية تضم 100 عضو موزعين بالتساوي بين المسيحيين والمسلمين المستقلين، ينتخبهم اللبنانيون مباشرة، ضمن عملية انتخابية تحت إشراف الأمم المتحدة ومنظمات حقوق الإنسان، مما يؤدي عاجلاً أم آجلاً إلى تخطي نظام المحاصصة الطائفية وبناء دولة مدنية.
وعقب تطبيق كافة الإجراءات السابقة، يتم إجراء انتخابات عامة وفق قانون الانتخاب الجديد، ما يسمح للبنانيين لأول مرة في تاريخ البلاد بانتخاب ممثليهم بعيداً عن الطائفية والتزوير ورشوة وشبهة المال السياسي والتدخلات الأجنبية، ما يسهم بإنهاء الاضطرابات الأهلية والعيش بسلام وأمن وديمقراطية وتقدم.
لا شك أنها ستكون مهمة صعبة، إلا أن القوى الوطنية ستبقى ملتزمة – بل ملزمة بالإسراع في إطلاق عجلة بناء الدولة حتى لو استغرق تحقيق هذا الهدف جيلاً أو جيلين.
المصدر: MEMO