رئيس لدفن الدولة
كتب راشد فايد لـ “هنا لبنان”:
كل ما يُتداول في شأن رفض استمرار الحكومة المستقيلة الراهنة، أو تشكيل حكومة جديدة تحت ضغط ضيق الوقت المتبقي من ولاية الرئيس ميشال عون، وكذلك الدعوة إلى “التواطؤ” لإيصال رئيس توافقي، ليست الفكرة المركزية فيها سوى الإستمرار في سعي “التيار الوطني الحر” بقيادة رئيسيه، الحالي والسابق، لضرب “اتفاق الطائف” والدستور اللبناني الذي وُلد من رحمه.
يؤيد هذا المشهد استعجال كثرة من المنظومة السياسية الحديث عن الفراغ في سدة الرئاسة كأنه قدر لا ردّ له، وكأن الدستور لا يحمل أي نص على حتمية الانتخاب، ومواقيته، وكأن “اتفاق الدوحة” الذي أنشأ أول تواطؤ على انتخاب رئيس هو القاعدة وليس استثناءً فرضه سلاح الحزب المتسلط، وتجلّيه في 7 أيار 2008، ثم في فرض عون في 2016 رئيساً على جثة سنتين ونصف من تعطيل الدستور، وضرب الحياة العامة.
هذه الحال تعطي المعنى الحقيقي للكلام على رئيس تحدٍّ، يدخل البلاد في حروب لا أحد يريدها، أو يتمنّاها. هو رئيس تحدّ إذ يتمسك بالنص الدستوري، وبقرار الدولة الواحد، ووحدانية سلاحها، في الحرب والسلم، وفرضها احترام القانون على الجميع، ووقف تحوّل مؤسساتها “دكاكين” للمنتفعين، ومصادرة أراضيها وعقاراتها ومشاعاتها لسلالات الميليشيات. إنه رئيس تحدٍ للفوضى القائمة.
الذين يلوحون بالرئيس التوافقي إنما يسعون إلى تمديد دورهم شركاء مضاربين في سلطة الدولة، ليس من موقع ديموقراطي، بل بمنطق التسلط، فيمارسون في مناطق نفوذهم نظام الفيديرالية، على السكت ويرفضونه في العلن: يطبقون “قوانينهم” في القمع، كما في الانتخابات النيابية الأخيرة، ويميعون الشكاوى لدى المخافر، ويُصمِتون اعتراضاتهم بالقوة، ويعزلونهم بالحُرم الشعبي، تحت يافطة “البيئة الحاضنة”.
يناقض الكلام في ما يسمّى بالرئيس التوافقي منطق الأقلية والأكثرية في الأنظمة الديموقراطية، ويلغي دوراً أساسيّاً للحياة النيابية. إنه دعوة إلى قبلية تسووية الغلبة فيها للقادر على التعطيل والإلغاء والإعتداء وإسقاط أي اتفاق في كل لحظة. فالتوافق المزعوم يحتاج إلى تعريف: علام سيتوافقون إن لم يكن الدستور هو المرجع لأي خلاف، أو إختلاف، فيما نراه عرضة للإعتداءات، بفضلهم، وبتوقهم إلى استمرار منطق الوصاية الأسدية من دون نظام الأسد، لمصلحتهم، ولحساب طهران في معركتها النووية، وسعيها إلى الهيمنة على المنطقة بشهادات قياداتها عن السيطرة الإقليمية.
وعلام سيتوافقون إن لم يكن لمرشحهم التوافقي المفترض برنامج عمل يعيد للبنان طاقاته وقدراته، وجديته في إعادة البناء، وإعلاء شأن المؤسسات، ووحدة الكلمة وقرار السلم والحرب؟ فهل هذه قابلة للنقاش بغير منطقهم؟
الكلام على رئيس توافقي ليس سوى دعوة متكررة إلى اختيار شريك للمنظومة في المحاصصات القائمة، طبعاً خلافاً للدستور. مثال على ذلك، أن يشارك رئيس السلطة التشريعية في مفاوضات الترسيم بينما صلاحياته أن يكون مجلس النواب، برئاسته، رقيباً على دستورية ما خلص إليه التفاوض، فلا يلعب دورين متناقضين في آن، شريك في السلطة التنفيذية، وقائد في التشريع، إلا إذا كان نص الإتفاق لن يعرض على السلطة التشريعية لغاية في نفس يعقوب، ويعقوب حاضر باستمرار في وطن الأرز، ولو عنى “الرئيس بالتوافق” استكمال دفن الدولة.
مواضيع مماثلة للكاتب:
الجرموز | من سيسرق المليار؟ | قربة مثقوبة |