كيف أسهمت الأزمة الاقتصادية في لبنان برفع وتيرة العنف ضد المرأة؟
المصدر: the new humanitarian
أدت الأزمة الإقتصادية التي يعاني منها لبنان، إلى زيادة حدّة الخلافات الأسرية وبالتالي ارتفعت نسبة العنف الأسري وخاصة تجاه بعض النساء اللواتي يعانين من سوء معاملة أزواجهن التي قد تصل إلى الضرب أو حتى إيذاء الأطفال وقتلهم كردة فعل ثأرية من الزوجة كما حصل مع جوري التي كشفت تفاصيل معاناتها في حديث لمجلة “New Humanitarian”.
عانت جوري البالغة من العمر 23 عامًا وتقطن في منطقة الشوف اللبنانية، طوال السنوات الثماني الأولى من سوء معاملة زوجها الذي زاد عنفه تجاهها بعد دخول الأسرة في نفق الضائقة الاقتصادية بسبب الأزمة المالية الهائلة التي عصفت بلبنان.
تروي جوري التي طلبت عدم الكشف عن اسمها الحقيقي تفادياً لخلاف جديد مع زوجها، تفاصيل معاناتها مشيرة إلى أنه في السنوات الأولى من زواجها كانت الإساءة في أغلب الأحيان عاطفية، إذ كانت تتعرض للإهانة باستمرار، قبل أن يتحول ذلك تدريجياً إلى إيذاء جسدي لها ولابنها.
وازداد عنف الزوج بعدما رزقت جوري بطفلة خلال الأزمة الاقتصادية، إذ قالت السيدة المعنفة وهي أم لطفلين، “كان يضربني كل يوم تقريبًا… وحاول إيذاء أطفالي… خاصة عندما كنت أطلب الحليب أو الحفاضات… وعندما كنت أدافع عنهم كان يؤذيني.”
بقيت جوري طوال هذه المدة صامتة إلى أن حاول زوجها إطلاق النار على ابنها البالغ من العمر ست سنوات في أيار الفائت، حينها قررت الكشف عن معاناتعا لأفراد تثق بهم من أسرتها، كما طلبت المساعدة من منظمة غير حكومية أسهمت بإيجاد مأوى آمن لها ولأطفالها، وتمكنت من الحصول على الحماية بعد أمر أصدرته المحكمة ضد زوجها.
تعد قصة جوري واحدة من أمثلة عدة لتأثير الانهيار الاقتصادي على الحياة الاجتماعية والأسرية في لبنان، وازدياد العنف خاصة حيال النساء والفتيات، وفق مدافعين عن حقوق المرأة.
وبحسب الأمم المتحدة، فإنه بحلول عام 2019، فقدت العملة اللبنانية حوالي 90٪ من قيمتها، في حين يعاني 80٪ من السكان من الفقر، بالتزامن مع ارتفاع معدل البطالة، وارتفاع في أسعار السلع الأساسية وبوتيرة يومية أحياناً.
وشهد لبنان ارتفاعاً بنسبة جرائم القتل، بحسب نائب مدير مركز الموارد للمساواة بين الجنسين “أبعاد”، وهي منظمة غير حكومية تدافع عن المساواة بين الجنسين في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وأول منظمة تواصلت مع جوري.
ولفت منصور إلى أن الأشهر السبعة الأولى من عام 2022 شهدت مقتل 14 امرأة على يد شركائهن، مقارنة بـ 18 امرأة في عام 2021.
وتعتقد جوري أن أحد أسباب غضب زوجها هو أنه كان عاطلاً عن العمل منذ 11 شهرًا، مشيرة إلى أنه “كان عاجزاً عن توفير احتياجات أطفالنا وإعالتهم… وهذا ما فاقم الأمر”.
ووفق منصور، فقد أدت الأزمة الاقتصادية في لبنان إلى جانب الأعراف والتقاليد التي تشرع وتشجع على العنف ضد النساء، إلى رفع التوتر في المجتمعات الصغيرة وبالتالي ارتفاع نسبة العنف ضد المرأة.
وقال: “نعلم جميعًا أن الأطفال والنساء في المجتمع هم الحلقة الأضعف، وفي كل أزمة سيكونون الأكثر تضرراً”، واصفاً الحالة “بكرة الثلج التي تكبر وتزداد سوءًا… لا أعرف متى سينتهي هذا الوضع”.
.
في سياق متصل، سجل عدد الأشخاص الذين تلقوا المساعدة من منظمة “كفى” غير الحكومية اللبنانية – التي تهدف إلى القضاء على جميع أشكال العنف والاستغلال الأسري والاجتماعي، ارتفاعاً تصاعديًا على مدى السنوات الخمس الماضية، وتم توثيق 1.082 حالة في عام 2017، و1107 حالة في عام 2018، و907 حالة في عام 2019، و1،583 حالة في عام 2020 الذي شهد ارتفاعاً عالمياً في حالات العنف الأسري والاجتماعي خلال فترة الإغلاق بسبب كورونا، و1،396 في عام 2021.
من جهتها، لفتت زويا روحانا مديرة منظمة “كفى” في حديث لـ The New Humanitarian، إلى أن المشكلات التي يشهدها لبنان تفاقم من حالات العنف الأسري… مع هذه الأزمة الاقتصادية والمالية والاجتماعية، تزداد الأمور سوءاً في لبنان”.
وبدورها، أشارت “أبعاد” إلى أن 1090 سيدة طلبت مساعدة المنظمة خلال النصف الأول من العام الحالي، مقارنة بـ 832 في الأشهر الستة الأولى من العام الماضي.
بالمقابل، هناك نساء عدة بحاجة إلى المساعدة التي بات طلبها صعباً، بعد رفع الدعم الوقود الذي أسهم برفع أسعار النقل والإنترنت والمكالمات الهاتفية، التي ارتفعت تكلفتها منذ تموز الفائت، بعدما زادت شركات الاتصالات في لبنان أسعار خدماتها لتغطية تكلفة الوقود وتشغيل مولداتها.
ووفق منصور، فإن هذا يجعل إجراء اتصالات لطلب المساعدة أكثر صعوبة، مشيراً إلى أنه “بسبب الوضع الاقتصادي، استغنى المواطنون عن هواتفهم، وبات هناك هاتف واحد لكل أسرة، عادة ما يحمله الزوج أو الأب مما يزيد من صعوبة تواصل النساء معنا”.
وبحسب منظمة “Mercy Corps” غير الحكومية، فقد شهد شهر تموز ارتفاعًا في أسعار الاتصالات الأمر الذي أدى إلى عدم قدرة أشخاص بحاجة إلى المساعدة على إجراء اتصال بالخطوط الساخنة المخصصة لذلك.
إضراب القضاة
كما زاد إضراب القضاة المطالبين بتحسين أجورهم، منذ آب الفائت، من تفاقم الوضع في لبنان، وباتت معظم المحاكم مغلقة بالكامل.
وشهدت الـ 12 شهرًا الماضية زيادة بعدد اللواتي قصدوا المحاكم للمطالبة بأوامر الحماية من تعنيف أزواجهن، لكن الإضراب حال دون ذلك، وفق روحانا.
ورغم أنه بإمكان المعنفات تقديم شكاوى في مراكز الشرطة، إلا أن السلطات لا يمكنها اتخاذ أي إجراء لحمايتهن، في حين أن مئات النساء ينتظرن موافقة القضاة على أوامر حمايتهن وفقًا لمنصور.
ويتجنب العديد من النساء توجيه اتهامات أو تقديم طلبات للحصول على أمر حماية من أزواجهن في لبنان، كما هو الحال في جميع أنحاء العالم، ويخشى العديد منهن انتقام أزواجهن أو أسرهن إذا قصدن السلطات للإبلاغ عن انتهاكات بحقهن، وفق روحانا.
لم تعد قضية العنف ضد المرأة من المحرمات كما كانت من قبل، إلا أن بعض النساء ما زلن لا يجرؤن على التحدث عن معاناتهن، في ظل غياب الدعم الأسري.
أَما بالنسبة لجوري، فقد تجرأت على إخبار أسرتها بمعاناتها من الإساءة والعنف، بالمقابل قدمت لها العائلة الدعم ونصحتها بالتواصل مع منظمة أبعاد، بعدما حاول زوجها إطلاق النار على ابنها.
تقول جوري إنها كانت مترددة بشأن التحدث أمام المنظمة عما كانت تمر به، لكنها في النهاية وثقت بموظفي أبعاد وحصلت على الاستشارات القانونية والعلاج النفسي.
تروي جوري التي مكثت في ملجأ بعد أن قدمت طلباً بشأن أمر حماية حصلت عليه في نهاية تموز، أنه: “قبل لجوئي إلى أبعاد، لم أكن أعرف اني أملك حقوقًا أو أنه يمكنني استشارة أحد، أو أن هناك أشخاصًا باستطاعتهم دعمي والدفاع عني”.
وبعد أن حصلت على أمر الحماية، عادت جوري للإقامة مع زوجها، مشيرة إلى أنه بدأ بالحصول على الاستشارة والخضوع للعلاج، رغم أن أمر الحماية التي حصلت عليها لا تزال سارية.
قوانين غير مكتملة
يقول المدافعون عن حقوق المرأة إن أوامر الحماية التي يمكن الحصول عليها من المحاكم المغلقة، ليست كافية لحماية المرأة.
وعلى الرغم من أن البرلمان اللبناني أقر قانونًا يحمي النساء من العنف الأسري في عام 2014، قبل أن يُعدل في عام 2020 لتمهيد الطريق أمام أوامر الحماية التي تحصل عليها النساء اليوم، إلا أنه لا تزال هناك طرق يمكن للمعتدين سلوكها لممارسة العنف.
ويضم لبنان 18 طائفة دينية معترف بها، 15 منها لها قوانينها ومحاكمها الخاصة.
وتشير روحانا إلى أنه في بعض الحالات “تظلم القوانين الدينية المرأة وتجبرها على التبعية للرجل وتطلب من النساء طاعة أزواجهن”.
ومن المعلوم أن المحاكم الدينية لا تتدخل بعمل المحاكم المدنية وأوامر الحماية الصادرة عنها، لكنها مسؤولة عن قضايا مثل الزواج والطلاق والحضانة.
تقوم روحانا وزملاؤها بحملة تطالب من خلالها بتشريع قانون موحد للأحوال الشخصية عابر للأديان. مشيرة إلى أنه بدون ذلك، لا يمكن تأمين حماية فعلية للنساء من جميع أنواع العنف.
من جانبه، يعتقد منصور أن المشكلة الأساسية تكمن في آلية تطبيق القانون الحالي، لافتا إلى أن هناك الكثير من الثغرات التي تمنع تطبيقه بشكل صحيح.
على سبيل المثال، تمكنت منظمة أبعاد في عام 2017 من إلغاء مادة تتيح للمغتصب الزواج من ضحيته لتجنب الملاحقة القضائية، في حين أن القانون اللبناني لا يجرم اغتصاب المحارم.
ويوضح منصور أنه “إذا كان المغتصب فرداً من الأسرة، فإنه يحاكم كأي مغتصب عادي، وهو ما يعني أنه قد يتم الافراج عنه في غضون ثلاث أو خمس سنوات بحسب تقدير القاضي والمحامين”، مشيراً إلى أن الضحية قد تبقى تحت وصاية المغتصب بعد خروجه من السجن في حال كان والدها.
عدم المساواة والعنف
و تعتقد جوري أنها كانت ضحية التكييف المجتمعي طوال حياتها، الأمر الذي أدى إلى تنميط إساءة معاملتها، مشيرة إلى أن “الأعراف والتقاليد في المجتمع اللبناني تسهم باستمرار الإساءة للمرأة، وعلى سبيل المثال، لا يشجع المجتمع النساء على طلب الطلاق، بحجة أنه أمر معيب.
من جهتها اعتبرت مديرة مكتب هيئة الأمم المتحدة للمساواة بين الجنسين وتمكين المرأة في لبنان راشيل دوري ويكس، لمجلة “The New Humanitarian”، أنه “عادة ما يشهد العالم ارتفاعاً في نسبة العنف الأسري بالتزامن مع الأزمات الاقتصادية”.
وأضافت أن “الرجال يشعرون بالإحباط جراء الضائقة المالية لا سيما إذا فقدوا وظائفهم وعجزوا عن إعالة أطفالهم وأسرهم أو آبائهم”.
ولفتت ويكس إلى أن “لبنان شهد عقودًا من العنف المستمر وانعدام الأمن، إضافة إلى التسلط الذكوري في المجتمع، وكلها عوامل أسهمت بتسميم البيئة هناك”.
وأضافت “أنه وعلى مدى أجيال تأقلم المجتمع اللبناني وتطبع مع العنف وبرر له، بداية من الاغتيالات السياسية ووصولاً إلى العنف في إطار المنزل، الذي كان يمر من دون محاسبة أو مساءلة”.
من جهتها، أكدت جوري على عزمها بذل الجهود لرفع مستوى الوعي في المجتمع بشأن حقوق وواجبات المرأة في لبنان، بعد اكتشافها لخيارات لدعم وحماية المرأة يمكن اللجوء إليها وأن هناك من يستطيع مساعدتها.
وقالت: “لطالما صنفت المرأة على أنها مخلوقةضعيف ضعيفات وتم إقناعها بحاجتها إلى الرجال لتأمين عيشها وحمايتها… أعتقد أن النساء قويات ويمكنهن فعل أي شيء”.
مواضيع مماثلة للكاتب:
بالتفاصيل: إنذار إسرائيلي للضاحية.. وإنذاران للجنوب! | تعميم لوزير الداخلية: ممنوع إقامة أو توسعة مخيمات النازحين | راجي السعد لبيار الجميل: حلمنا سيتحقق ولو بعد حين |