زواج القاصر جريمة ترتكب بحق الطفولة باسم الفقر و”السترة”… ماذا عن نتائجها؟!


أخبار بارزة, خاص 12 تشرين الأول, 2022

كتبت صونيا رزق لـ “هنا لبنان”:

مشهد مأساوي ما زال عالقاً في نفوس بعض مجتمعات الأرياف والمناطق النائية في لبنان، يخدش الطفولة البريئة ليرضي بعض الآباء تحت اسم الفقر والعوز و”السترة” للفتاة، ما يدفع بالوالد إلى تزويج ابنته حتى ولو كانت في عمر الأطفال، إلى رجل ثري يكبرها سنّاً، وفي بعض الأحيان لا يكون غنياً، إنما تحت حجة ضرورة الزواج المبكر للفتاة، الأمر الذي يُعتبر جريمة بحق الطفولة، فيما القوانين الإنسانية الدولية ترى في زواج الأطفال، شكلاً من أشكال العنف وانتهاكاً لحقوق الإنسان.

لا شك أنّ هذه الصورة المرفوضة، تنطلق من التدهور الفكري وغياب التعليم، والعلاقات الأسرية والمجتمعية، يقابلها تداعيات تبرز في نفسية القاصر لاحقاً، لأنها لم تعش طفولتها بل اُجبرت على زواج غير متكافئ من كل النواحي، فضلاً عن تداعيات صحية ستعيشها جرّاء الزواج المبكر، وهنا قمة الاستئثار بمصير طفلة لا تعرف شيئاً عن الزواج، فيتم قتل البراءة عن سابق تصوّر وتصميم، لتتبع ذلك تداعيات سلبية لا تزول، ترافق القاصر على مدى حياتها وتشمل الخوف من المجتمع.

للأسف هذه الظاهرة ما زالت قائمة في لبنان بنسبة 6 في المئة، ونشهدها في بعض المناطق الحدودية البقاعية والشمالية، وقرى جنوبية ضمن الأحياء الفقيرة، وفي مخيمات النازحين السوريين في لبنان، حيث تكثر الزيجات من هذا النوع، بسبب الأوضاع الصعبة للفتيات بعيداً عن بلدهم.

في هذا السياق، أعطت الطفلة المطلقة “ف. ش” من منطقة مجاورة للهرمل شهادتها بعد جهد خلال اتصال من موقع “هنا لبنان”، فأشارت إلى أنّ والدها اُجبرها على الزواج قبل 4 سنوات من رجل يكبرها بـ 32 عاماً وكانت حينها في سن الـ 13، واصفة إياه بالشرس والعنيف، إذ كانت تتعرّض للضرب المبرح منه، مع إجبارها بعدم البوح لأحد عما تتعرّض له تحت التهديد بتعنيفها أكثر، بسبب الغيرة الشديدة، وقالت: “حصلت على الطلاق بعد سنة وشهر، وعدت إلى منزل أهلي لكن لم يتغير شيء، فأنا ممنوعة من الخروج وأعاني من الكآبة والحزن الشديد”.

إلى ذلك، يقول الدكتور جان كلود الحصري الأخصائي في علم النفس الاجتماعي في حديث لموقع “هنا لبنان”: “التقاليد والقيم التي تربّت عليها بعض المجتمعات، تجعل الأهل والفتاة مقتنعين أحياناً بأنهم لا يقومون بأي تصرّف خاطئ، والمشكلة ليست في طلاق القاصر فقط، بل في حال بقيت في بيت زوجها، مع كل المعاناة التي تعيشها، وبالتالي ما هو وضعها مع أولادها؟ وعندها يكون القرار قد انتقل من والدها إلى أخيها وزوجها وأولادها، أي تأخذ هويتها ووجودها والأوامر من سلطة هؤلاء، وقد تكون رغماً عنها ومن دون إدراكها، قد تأقلمت ضمن هذا الواقع لأنها تربّت هكذا”.

ويتابع: “حين تصبح القاصر مطلقة، فهذه مأساة لها ولأهلها، لأن طلاقها يُعتبر عاراً بالنسبة لهم، ومأساة لها لأنها تصبح كاللاجئ في بيته وبيئته، وفي بعض الأحيان نجد ضغوطات غير مباشرة من العائلة والمجتمع على أهل الفتاة، ما يساهم في تفاقم المشكلة، لأنّ القاصر المطلقة التي تعود إلى منزل أهلها ينتظرها مستقبل ضائع، وفرصة ضعيفة لأنها مطلقة، حيث يصعب تزويجها مرة ثانية”، مشيراً إلى أنّ حالة النضوج الذهني والفكري والروحي، إلى جانب النمو الجسدي والاقتصادي، يعطيان توازناً للزواج، وعندها تستطيع المرأة تربية أولادها بطريقة صالحة.

ويشدّد الحصري من ناحية ثانية على ضرورة تنمية المناطق الفقيرة من قبل الدولة، وتأمين التطور الاجتماعي والاقتصادي، الذي يخلق فرص عمل ويحدّ من هذه المشكلة.

هل تريد/ين الاشتراك في نشرتنا الاخبارية؟

Please wait...

شكرا على الاشتراك!

مواضيع مماثلة للكاتب:

انضم الى قناة “هنا لبنان” على يوتيوب الان، أضغط هنا

Contact Us