مؤتمر تونس لمحاربة الإرهاب المالي: المواجهة معقدة وطويلة الأمد
كتب أسعد بشارة لـ “هنا لبنان”:
لا يمكن أن يعلو في أولويات الأمن العالمي، أولوية على مكافحة الإرهاب وأساليبه في التأهيل والتدريب والتجنيد والتمويل. وللتمويل قصة كبيرة ورحلة طويلة للوصول إلى تنفيذ العمل الإرهابي، فبدون التمويل لا إمكانية إلا لتنفيذ عمليات إرهابية على طريقة الذئاب المنفردة التي يصعب مكافحتها، أما في الإرهاب المنظم الناتج عن عمل الخلايا المحترفة، فالمكافحة تبدأ بالتمويل الذي يمثل أخطر درجات الإعداد للعملية الإرهابية.
لأجل شرح هذه العملية الدقيقة بكل أبعادها وتفاصيلها وأدواتها، وعلى مدى ثلاثة أيام عقدت ورشة العمل الإقليمية في تونس والمتعلقة بالتوصية الثامنة FATF المعنية بالإجراءات المالية الخاصة بموضوع مكافحة تمويل الإرهاب وغسيل الأموال في قطاع المنظمات غير الربحية، بتنظيم من وكالة الإتحاد الأوروبي للتدريب على إنفاذ القانون CEPOL وبرنامج الأمم المتحدة لمكافحة تمويل الإرهاب UNOCT، المؤتمر حضره متخصصون مدنيون وعسكريون، ومتكلمون، وضعوا في المؤتمر خلاصات لخبراتهم المهنية والاكاديمية في مكافحة تمرير التمويل المشبوه للإرهاب في بعض المنظمات غير الربحية، في العالم، فالخلايا الإرهابية والقوى الداعمة لها غالباً ما تسعى إلى اختراق النظام المالي العالمي، عبر إنشاء منظمات غير ربحية تتحول إلى وسيلة ومعبر لتمويل الإرهاب بطريقة غير مشروعة، وتستلزم هذه العملية، آلية مكافحة مضادة لا تقل صعوبة، وتتطلب قدرة لوجستية ومعلوماتية وتنسيقية على مستوى أجهزة الأمن في العالم أجمع، كما تتطلب تنسيق كل الهيئات الدولية ذات الصلة المؤهلة القيام بهذا الدور.
عالج المؤتمر بالتفاصيل، آلية مكافحة تسرب أموال الإرهاب عبر المؤسسات الخيرية واللاربحية، وهذه الآلية تمر حكماً عبر تطبيق الرقابة على هذه المؤسسات، والرقابة تتركز على إدارة الموارد والتأكد من أنها تتم بطريقة مسؤولة، أي التأكد من مسار الأموال من الممولين إلى حساب المؤسسة البنكي إلى المستفيدين. وعرض المؤتمر لتجربة هيئة مختصة في بريطانيا، في الرقابة على المؤسسات غير الربحية، فهذه المؤسسات ملزمة بالقانون أن تكشف سجلاتها المالية، وأن تمتثل للقواعد بإعطاء المعلومات، عن نشاطها المالي، فور توفر أي شكوك معقولة بضرورة الرقابة والتأكد من مسار تمويلها وكيفية صرفه. ولهيئات الرقابة الحق القانوني باتخاذ إجراءات صارمة في حال التأكد من وجود خلل، ومن هذه الإجراءات: تجميد أعمال مديرين بالمؤسسة، أو وقف عملها تبعاً لطبيعة الخرق الحاصل، أو إجراءات أخرى أكثر قسوة.
لعمل المراقبة هذا على مستوى العالم كله محاذير، فالتدخل يتم وفقاً لوجود أدلة قاطعة على وجود تسرب أموال إلى تمويل الإرهاب، ولا يمكن العمل تحت عنوان الشكوك، ولهذا تتخذ عملية مراقبة بعض المؤسسات غير الربحية مساراً طويلاً من التدقيق، والجهد، لأن أي تعسف في تطبيق إجراءات لمجرد الشك، يعني تحويل معظم هذه المؤسسات الإنسانية إلى مؤسسات متهمة، وهذا ما تتفاداه كل هيئات الرقابة على تمويل الإرهاب.
العمل هذا في الرقابة على تسرب الأموال للإرهاب عبر بعض المؤسسات غير الربحية في العالم، متصل إلى حد بعيد، بآليات مواجهة تبييض الأموال، فهو تبييض وتسرب غير مشروع عبر يافطة الجمعيات الإنسانية، وتسعى المنظمات الإرهابية دائماً إلى الاختباء داخل هياكل المؤسسات الإنسانية غير الربحية، والمصارف والقطاع الخاص، واستعمالها في أنشطتها المشبوهة.
بعد ثلاثة أيام في مؤتمر تونس لمكافحة تسرب الأموال إلى المنظمات الإرهابية أو الإرهابيين الأفراد، عبر الاختباء وراء المنظمات الإنسانية، تشعر أن المعركة في هذه المواجهة طويلة جداً، للوصول إلى ضبط كل تنقلات الأموال المشبوهة، وللوصول إلى حماية المؤسسات الخيرية غير الربحية وهي في معظمها تبغي الخدمة الإنسانية، وتعاني من هذه الاختراقات. هذه المواجهة طويلة بالفعل لكن قدرات الأجهزة المناط بها مراقبة حركة الإرهاب المالي، ليست متواضعة، ولهذا سنشهد المزيد من محاولات خنق مسار التمويل الإرهابي، في معركة لا يمكن ربحها بالضربة القاضية بل بالنقاط وتحقيق المكاسب المتراكمة.
مواضيع مماثلة للكاتب:
تفاؤل وهمي والحرب تتصاعد | لبنان على موعد مع أشهر صعبة | ترامب اللبناني |