ملفات اللحظات الأخيرة لترسيم حدود لبنان البحرية… هل ستنقذ ماء وجه العهد؟
كتبت شهير إدريس لـ “هنا لبنان”:
بعد 6 سنوات من عهد رئيس الجمهورية ميشال عون الذي غابت فيه معظم الملفات الحساسة عن النقاش وبقيت في أدراج القصر، ارتأى أن يكون الشهر الأخير من عهده شهر الإنجازات التي لم تتحقق والتي استفاق عليها في اللحظات الأخيرة كي يسجل في تاريخه ملفات لم يقدر مع تياره السياسي على حلها وفق مقولة “ما خلونا”.
ومع إتفاق ترسيم الحدود البحرية جنوباً والذي سيشهد تطوراً بالتوقيع رسمياً في الناقورة خلال الأسبوع المقبل مع وصول المفاوض الأميركي آموس هوكشتاين في الزيارة المرتقبة لتسليم مذكرة الترسيم الأميركية، فتح الباب على مصراعيه للبت بترسيم الحدود مع سوريا شمالاً والبحث في الحدود البحرية مع قبرص بعد تثبيت الخط 23 بين الجانبين اللبناني والإسرائيلي حيث سيكون الأسبوع المقبل حافلاً بالترسيم البحري.
وبالتوازي كان لافتاً تسارع الأحداث لجهة صدور “قرار استثنائي” عن رئيسي الجمهورية والحكومة يتعلق بالآليات القانونية الجديدة بعد انسحاب شركة “نوفاتيك” الروسية من تحالف شركتي “توتال” و”إيني” للتنقيب عن النفط والغاز في الرقعتين النفطيتين 9 و4 في المياه الإقليمية اللبنانية. وبحسب المعلومات فإن الرئيسين عون وميقاتي وقّعا على قرار يجيز لوزير الطاقة وليد فياض بيع حصة الدولة البالغة ما نسبته 23% من كونسورتيوم الشركات النفطية والتي حسمت لدولة قطر.
لم يفلح لبنان حتى الساعة في تأكيد ملكيته وحقه براً في مزارع شبعا التي تعتبرها سوريا ملكاً لها، لكنه يستعجل الحفاظ على حقوقه وثرواته في مياهه الإقليمية شمالاً حيث شغلت في الساعات الأخيرة مسألة ترسيم الحدود البحرية مع سوريا حيزاً كبيراً من الإتصالات تمثلت بإتصال رئيس الجمهورية ميشال عون بالرئيس السوري بشار الأسد والذي لم يكن الأول من نوعه إذ يتواصل معه أسبوعياً بحسب مصادر مطلعة، وتم تعيين وفدٍ لزيارة سوريا بعيد إتصال عون بميقاتي، والذي يتألف بحسب المعلومات من وزير الخارجية عبد الله بوحبيب ووزير الطاقة وليد فياض ونائب رئيس مجلس النواب الياس بو صعب والمدير العام للأمن العام عباس إبراهيم. وبحسب مصادر متابعة لموقع “هنا لبنان” فإن الوفد اللبناني سيزور سوريا الأسبوع المقبل لكن لم يتم تحديد الموعد وتاريخه بعد إذ يتم التنسيق بين البلدين من أجل البت بهذا الأمر وتعقد إجتماعات مكثفة للإحاطة بكافة التفاصيل.
وأكدت مصادر دبلوماسية لموقع “هنا لبنان” أنّ التواصل مع الجانب السوري بدأ في هذا الإطار، مشيرة إلى أنه يجري إعداد الخرائط المتعلقة بالإحداثيات والخطوط الخاصة بالمناطق الاقتصادية الخالصة لكلا الجانبين. ولفتت المصادر إلى أن نقاط النزاع بين البلدين قابلة للحل قانونياً وتقنياً وهي النقاط التي حدّدتها الدولة السوريّة خصوصاً في البلوك رقم1 مُتداخلة مع البلوك رقم1 و2 من الجهّة اللبنانيّة، أي ما يُقارب 750 كلم مربعاً داخل الحدود اللبنانيّة. وتشير المصادر إلى أن الأمر لن يكون على غرار الترسيم جنوباً لأن لبنان وسوريا ليسا بلدين عدوين ولا يحتاجان لوسيط أو تفاوض غير مباشر ولذلك فإن الوفد اللبناني سيجري سلسلة لقاءات مع الجانب السوري لإيجاد حل سريع. وبحسب مصادر الجيش اللبناني فإن لبنان وسوريا كانا اعتمدا، كل على حدة، تقنيات ترسيم مختلفة تستوجب التفاوض رسمياً للوصول إلى خط مشترك.
مسألة ترسيم الحدود البحرية مع سوريا ليست بجديدة إذ أن هذا الملف عاد إلى الواجهة في العام 2021 مع توقيع سوريا عقداً مع شركة “كابيتال” الروسيّة للقيام بعملية مسح وتنقيب عن النفط في تلك المنطقة، حيث جرى التأكيد من قبل وزارة الخارجية عبر مراسلة سوريا على أن لبنان لن يقبل الانتقاص من سيادته بمياهه، ويؤكد على التمسك بترسيم الحدود البحرية كما يدعو الجانب السوري إلى التفاوض. وكان الملف أيضاً قد فتح في العام 2011 أي عند إصدار المرسوم 6433 الذي رسّم حدود لبنان البحرية الشمالية مع سوريا والجنوبية مع فلسطين والغربية مع قبرص، حيث جرت مراسلات بين البلدين بهذا الخصوص. لكنه نام في أدراج الدولة بسبب الحرب في سوريا، وتمسك لبنان بالنأي بالنفس عن الصراعات في المنطقة.
ومن سوريا إلى قبرص حيث أكدت مصادر دبلوماسية في وزارة الخارجية اللبنانية أن وفداً قبرصياً يترأسه مبعوث رئاسي متخصص في الملف سيصل إلى لبنان نهار الإثنين لإجراء محادثات مع وزير الخارجية وعدد من المسؤولين اللبنانيين للبحث في ترسيم الحدود البحرية بين البلدين بعد تثبيت الخط 23 بين لبنان وإسرائيل مما يسمح بإطلاق البحث مع قبرص حول تصحيح النقاط والإحداثيات قبل إعادة تثبيتها لدى الأمم المتحدة. وكان لبنان بحسب المصادر قد تلقى رسالة رسمية من وزارة الخارجية القبرصية، تستعجل إطلاق الحوار بين الجانبين لإعادة ترتيب الأمور ومعرفة كيفية العمل على مسألة الترسيم عبر مفاوضات أو رسالة رسمية بين الرئيسين اللبناني والقبرصي لتعديل ملحق اتفاقية 2007 المتعلقة بإحداثيات الحدود بين البلدين. إلا أن المصادر أكدت أن الإتفاق مع قبرص وسوريا بحاجة إلى عمل حثيث لكنه ليس بصعوبة ترسيم الحدود مع إسرائيل.
ويجمع متخصصون في النفط والغاز لموقعنا أن ترسيم الحدود بين لبنان وسوريا وقبرص وإسرائيل من شأنه أن يجد حلولاً للكثير من المشكلات، ويزيد من جاذبية البلوكات النفطية اللبنانية بالنسبة للشركات العالمية للتنقيب فيها، كما يزيد من حصة الدولة اللبنانية من عائدات البلوكات وذلك في حال عدم وجود نزاعات بين هذه البلدان والتي تقلل المخاطر الأمنية التي ستؤثر سلباً علی الشركات النفطية التي ستقوم بالتنقيب عن النفط والغاز.
سنوات من الإهمال في ملفات مهمة كانت ستنقذ لبنان من أزماته لم يستفق عليها الرئيس عون ومن حوله إلا في اللحظات الأخيرة، ويحاولون استجماع أرشيف أوراقها التي وضعت عن قصد في الأدراج كي تستعمل في التسويات التي يريدها العهد على قياسه وقياس أهل المنظومة.