بري وخدعة الحوار
كتب أسعد بشارة لـ “هنا لبنان”:
مرة جديدة يلعب الرئيس نبيه بري لعبة استدراج القوى السياسية المناوئة إلى فخ الحوار. في العام 2006 استدرج بري الجميع إلى طاولة مجلس النواب، وخرج الحوار الهزيل بقرارات منها حلّ السلاح الفلسطيني وتحديد الحدود مع سوريا والموافقة على إنشاء المحكمة الدولية، وطمأن الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله الجميع على الطاولة بأن لا عمليات ستنفذ على الخط الأزرق، وأن لبنان يجب أن يستفيد من موسم ممتاز للسياحة، فماذا كانت النتيجة؟
نفّذ حزب الله بعد أيام عملية على الخط الأزرق، استجلبت حرباً إسرائيلية لمدة شهر دمرت لبنان ورتبت خسائر بعشرات مليارات الدولارات، ثم ما لبث الحزب أن ارتد بنهايتها إلى الداخل اللبناني، فسمى حكومة الرئيس السنيورة حكومة فيلتمان (بعدما كان بري أطلق عليها اسم حكومة المقاومة) وبدأ بتنفيذ انقلاب وسط بيروت والإطاحة بالمحكمة الدولية، وانتهى به الأمر بتنفيذ السابع من أيّار الذي أدى إلى توقيع اتفاق الدوحة الذي كان أوّل انقلاب حقيقي على اتفاق الطائف.
بعد حوار بري، جرب الرئيس ميشال سليمان طاولة الحوار، وأدّت هذه التجربة بالنية الصافية للرئيس سليمان إلى الاتفاق على إعلان بعبدا، لكن أيضاً كان حزب الله جاهزاً للانقلاب على هذا الإعلان، وتورط في الحرب السورية، إلى أقصى درجات التورط، ونسف فكرة أن يكون السلاح بإمرة الدولة، وفعل كل هذا متراجعاً عن التعهدات دون أن يتعب نفسه بعبء تبرير هذا التراجع.
في عهد الرئيس عون عقدت أيضاً طاولة حوار، لكن كانت حواراً بين طرشان. فالحوار بدأ قبل اندلاع الثورة والأزمة، وكان واضحاً أن المقصود به شراء الوقت وتخدير ما يمكن أن يحصل، وتقاسم المسؤولية في حال وقع السقوط العظيم. لم يكن ذلك الحوار سوى جرس إنذار لما سيأتي، وكانت صورة المتحاورين حول الطاولة تكفي لاستشراف عمق الأزمة وهشاشة من كانوا يتولون المسؤولية، حيث كان همهم وفي طليعتهم رموز عهد عون تنفيذ أجندات شخصية والتركيز على توريث الصهر، في حين كانت السفينة قد بدأت بالغرق.
اليوم وبعد توالي هذه الأحداث منذ العام 2005 وإلى اليوم، وبعد تكرار عقد طاولات الحوار العقيمة، يعود الرئيس نبيه بري إلى العزف على الوتر نفسه مكرراً سيناريو إفراغ المؤسسات الدستورية من أيّ مضمون أو قدرة على التصرف. فهذه الدعوة تأتي بعد فشل حزب الله في تجميع العدد الكافي من النواب لانتخاب رئيس يكمل ما بدأه العماد ميشال عون، وبالتالي ذهب الحزب ومعه الرئيس بري إلى توجيه الدعوة للحوار بهدف إشغال خصومه بحوار إلهائي عقيم، وجعل هذا الحوار المزعوم غطاء للاستمرار بتعطيل النصاب في جلسات انتخاب الرئيس، إلى أن يملي الحزب اختيار مرشّحه تحت عنوان التوافق على الرئيس فيما سيكون هذا التوافق الوجه الآخر لفرض رئيس مطواع لحزب الله، طوال السنوات الست المقبلة.
هذا الحوار هو فخّ إضافيّ ومكرّر لا يمكن لمن لُدِغ من الجحر مرات ومرات أن يقع فيه، وإذا وقع فسيكون ذلك تعبيراً إمّا عن غباء أو عن تآمر والنتيجة في الحالتين واحدة.
مواضيع مماثلة للكاتب:
تفاؤل وهمي والحرب تتصاعد | لبنان على موعد مع أشهر صعبة | ترامب اللبناني |