تأكيدات فاتيكانية – فرنسية على أن أي تسوية إقليمية لن تكون على حساب لبنان
كتبت شهير إدريس لـ “هنا لبنان”:
لا تتوقف المساعي الدولية عن محاولة إنقاذ لبنان وانتشاله من السقوط والانهيار إذ تنشط في أكثر من دولة صديقة الاتصالات والمشاورات التي تهدف إلى إبقاء لبنان صامداً رغم الأزمات التي تعصف به وبشعبه، لا سيما بين فرنسا والفاتيكان، إذ أن الملف اللبناني لم يغب عن لقاء قداسة البابا فرنسيس والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون.
مصادر فرنسية مطلعة على المحادثات في الفاتيكان أكدت لموقع “هنا لبنان” أن اللقاء بين البابا وماكرون تناول ثلاث نقاط تتعلق بالشأن اللبناني:
أولاً: التنسيق المستمر بين الجانبين حيال ما يتعلق بلبنان لا سيما الاستحقاق الرئاسي وأهمية تجنب الفراغ في سدة الرئاسة الأولى.
ثانياً: التأكيد على الدور المسيحي في لبنان والتمسك به لأنه من الثوابت في مسألة الوحدة الوطنية والعيش المشترك والتنوع في المنطقة.
ثالثاً: التشديد على أن التسوية الإقليمية أو الدولية لم تنضج لكن أي تسوية قد تحصل لإيجاد الحل في لبنان لن تكون على حسابه، بل سيكون الملف اللبناني من ضمن أي تسوية قد تحصل.
وكما لفرنسا دور فاعل في حماية لبنان وإنقاذه بالتنسيق مع الفاتيكان فإن دوائر الكرسي الرسولي على إطلاع دائم بما يجري في لبنان وتقوم بمبادرات وزيارات متتالية لمسؤوليه لتحديد وجهة المساعدات الإنقاذية إن كانت على الصعيد الإنساني أو الإجتماعي أو التربوي وإيجاد مخارج للأزمات القائمة إضافة إلى تنفيذ الإصلاحات، فيما لبنان حاضر دائماً في قلب الحبر الأعظم البابا فرنسيس من خلال صلواته وفي أمله بزيارة لبنان في أقرب فرصة ممكنة.
وفي هذا السياق تؤكد مصادر متابعة لأجواء الفاتيكان لموقع “هنا لبنان” عن تخوفه على مستقبل لبنان وعدم الحفاظ على نموذج العيش المشترك وصيغة لبنان المميزة في محيطه، إضافة إلى ضرورة التزام اتفاق الطائف نصّاً وروحاً، خصوصاً لناحية التوازنات في إدارة الدولة. كما يشغل بال دوائر الكرسي الرسولي الانقسام الحاصل في لبنان على الصعيد السياسي لا سيما في موضوع انتخاب رئيس الجمهورية وعدم انتظام المؤسسات الدستورية.
وفيما يتم التداول إعلامياً بخوف حاضرة الفاتيكان على موضوع إتفاق الطائف وإمكانية الدعوة إلى مؤتمر تأسيسي جديد أوضح مستشار الرئيس الشهيد رفيق الحريري الدكتور داوود الصايغ وهو متخصص في العلاقات اللبنانية الفاتيكانية لموقعنا، أن الفاتيكان لا يتدخل في موضوع الطائف لأن “ما كتب قد كتب” وأصبح في صلب الدستور اللبناني ويؤكد أن على اللبنانيين إحترامه وتنفيذ كامل بنوده، لكن الفاتيكان في الوقت نفسه لا يؤيد فكرة عقد مؤتمرات لتغيير النظام اللبناني، لا سيما أن اتفاق الطائف كان قد وافق عليه البابا يوحنا بولس الثاني بعد أن أطلعته عليه اللجنة المؤلفة من ممثلين عن الدول الثلاث التي رعته أي السعودية والمغرب والجزائر. وفي موضوع التنسيق الفرنسي الدائم بين فرنسا والفاتيكان بخصوص لبنان يستذكر الصايغ أن البابا آنذاك أرسل سفيره بابلو بوانتي لمواكبة تنفيذ اتفاق الطائف بعد أن التقى البطريرك الماروني مار نصر الله بطرس صفير في مقر إقامته في إيطاليا، كما زار صفير أيضاً وفد فرنسي برئاسة مدير عام وزارة الخارجية الفرنسية فرانسوا شير وبحضور السفير جان بيرنارد ريمو وبعد ساعة ونصف من اللقاء وافق البطريرك صفير على إتفاق الطائف الذي أتى لإنقاذ لبنان من الحرب الأهلية وفي لحظة ذات بعد إقليمي ودولي والتقت فيها المصالح الدولية حيث تمثل أيضاً بموافقة فرنسا والفاتيكان وبموافقات عربية نتجت عن مؤتمر الدار البيضاء.
وعادت مسألة اتفاق الطائف إلى الواجهة مجدداً بعد اللقاء السعودي الفرنسي الأميركي الذي عقد في نيويورك وجاء بيانه ليؤكد على ضرورة الحفاظ على اتفاق الطائف وتنفيذ كامل بنوده، إضافة إلى الضجة التي أحدثتها دعوة السفارة السويسرية من أجل عقد طاولة حوار بين عدد من القوى السياسية اللبنانية. السفير السعودي في لبنان وليد البخاري يعمل بتوجيهات المملكة على التأكيد على أهمية الإلتزام بهذا الإتفاق معلناً خلال لقاءاته مع المسؤولين اللبنانيين التمسك بالطائف والخوف من وجود خطة لتعديل معادلته، فالطائف وفق السعودية خط أحمر ويظهر ذلك جلياً أيضاً عبر تغريداته المتكررة بهذا الخصوص، فيما يعد العدة لإقامة مؤتمر في اليونيسكو في الخامس من تشرين الثاني المقبل لمناسبة مرور 33 عاماً على توقيع هذا الإتفاق في المملكة العربية السعودية وقد وجهت الدعوات للحضور.
ولم تغب أهمية العودة الى اتفاق الطائف عن تصريح رئيس مجلس النواب نبيه بري الأخير معتبراً أنّ مرجعيته هي الطائف وقد فسر موقف بري بأنه رسالة إلى الداخل والخارج قبل الدعوة إلى طاولة حوار في مجلس النواب للاتفاق على انتخاب رئيس توافقي وإنهاء الفراغ.
إذاً سيبقى الشأن اللبناني حاضراً دائما في معظم اللقاءات والمؤتمرات وفي الفاتيكان وفرنسا أيضاً لا سيما في الوقت الراهن والذي تشهد فيه المنطقة ولبنان أيضاً تغيرات مهمة، على أن تكون زيارة قداسة البابا فرنسيس التي ألغيت سابقاً إلى لبنان قريبة، علها تحمل معها بعض التفاؤل والأمل للبنان الرسالة كما كان مع زيارة البابوات السابقين وهذا الأمر يقع على عاتق السفير البابوي الجديد المونسينيور باولو بورجيا الذي يقوم بالتحضيرات لزيارة البابا في حال قرر موعدها وهو يعرف لبنان وأزماته ومشاكله عن ظهر قلب بعد أن خدم فيه لثلاث سنوات.
وحده التزام اللبنانيين بتطبيق الدستور اللبناني وإجراء الإصلاحات اللازمة والتخلص من الفساد كما يؤكد الجميع داخلياً وخارجياً، سينقذ لبنان من دون أي وساطات. وعندها ستفتح له الدول أيديها وستُغدق عليه المساعدات لإنتشاله من أزماته.