لا ترسيم بحري مع سوريا في الوقت القريب… نظام الأسد لم يقدّم إحداثياته!
كتبت ريمان ضو لـ “هنا لبنان”:
بلغت درجة الحماس لدى رئيس الجمهورية مرحلتها القصوى، قبل أيام من انتهاء ولايته، محصّناً بإنجاز الترسيم البحري مع العدو الإسرائيلي جنوباً، ليعلن استكمال مسار الترسيم شمالاً هذه المرة مع الدولة السورية.
إلّا أنّ رياح الترسيم جرت عكس ما اشتهاه العهد ومستشاروه، فأتى الرفض السوري لزيارة الوفد اللبناني لأسباب عدة، أحد هذه الأسباب هو عدم نية وجهوزية الجانب السوري والروسي بفتح هذا الملف حالياً، رغم العقد الذي وقعته سوريا العام الماضي مع شركة كابيتال السورية لبدء التنقيب في البلوك رقم 1 السوري.
الأكيد أنه لو لم ينجز ملف الترسيم مع إسرائيل لما استطاع رئيس الجمهورية ميشال عون طرح الترسيم لا مع سوريا ولا مع قبرص. وبغض النظر عن خلفيات إلغاء الجانب السوري لزيارة الوفد اللبناني إلّا أنّ الموقف اللبناني مع السوريين هذه المرة أقوى منه مع الجانب الإسرائيلي، إذ أنّ حكومة فؤاد السنيورة عام 2011 حددت الحدود البحرية اللبنانية السورية في المرسوم 6433.
قضية الخلاف حول ترسيم الحدود البحرية من الجهة الشمالية اللبنانية، بين لبنان وسوريا، تعود إلى 2011، أي تاريخ الخلاف بين لبنان وإسرائيل، حين أصدرت الحكومة اللبنانية المرسوم رقم 6433، ورسّم الحدود البحرية الجنوبية مع إسرائيل، والشمالية مع سوريا، والغربية مع قبرص.
السفير السوري السابق لدى الأمم المتحدة بشار الجعفري أرسل حينها رفضاً للإحداثيات الموجودة بالمرسوم اللبناني، وعدّها غير ملزمة للجمهورية العربية السورية، في حين أن لبنان تقيد بمبدأ الخط الوسطي الذي تنص عليه معاهدة قانون البحار في عام 1982، أما سوريا، وهي ليست عضواً بالاتفاقية، فاعتمدت خطّاً مستقيماً يجعل ما بين 750 كيلومتراً مربعاً وألف كيلومتر مربع متداخلة بحراً مع لبنان، فصارت منطقة بحرية متنازعاً عليها.
في آذار 2021، وقعت دمشق عقداً مع شركة “كابيتال” الروسية للقيام بالمسح والتنقيب عن النفط في البلوك رقم 1، أما الجانب اللبناني فيرى وفق إحداثياته أن عمليات التنقيب ستجري في جزء من منطقة بحرية تابعة له.
الخبير النفطي د. شربل سكاف يشرح لموقع “هنا لبنان” أن لا حاجة لتعديل المرسوم 6433، ففي هذا المرسوم حدد لبنان حدوده البحرية مع سوريا بطريقة صحيحة. مشيراً إلى أنّ السوريين، لم يرسلوا الإحداثيات لحدودهم إلى الأمم المتحدة حتى الساعة، ولم تكن هذه الإحداثيات معروفة إلّا في العقد الذي وُقع بين السوريين والروس أي مع شركة كابيتال الروسية، علماً أنّ المجلس النيابي السوري أقر قانونين يتعلّقان باستخراج النفط والغاز إلّا أنّ القانونين لم يرد فيهما أي إحداثيات حدودية.
هذه الإحداثيات تُظهر تقدماً سورياً بحدود 750 كيلومتراً في المياه اللبنانية، وفي العقد الموقع بين الحكومة السورية وشركة كابيتال، هناك إقرار ضمني بأن هذه الحدود ليست نهائية، وأن الكابيتال يجب أن تلتزم بأي اتفاق عندما يحصل بين لبنان وسوريا.
ويرى سكاف أننا أمام خيارين، إما التفاوض حول هذه الحدود أو اللجوء الى القانون الدولي، شارحاً أن القانون الدولي لا يدعم الخط السوري الذي رُسم بطريقة موازية لخط العرض 270 .
وختم سكاف مستبعداً بدء التنقيب الروسي في المياه السورية قريباً، معتبراً أنّ الشركة الروسية ما زالت في مرحلة الدراسات وأنه في حال بدأت الشركة الروسية بالعمل في المياه السورية قبل الاتفاق النهائي بين لبنان وسوريا على الترسيم البحري يمكن للبنان اللجوء إلى الاعتراض لدى الأمم المتحدة على بدء التنقيب السوري، وتوجيه إنذار إلى الشركة الروسية لمنعها من بدء العمل، قائلاً: إنّ لبنان يمكنه البدء بالتنقيب في البلوكات التسعة الباقية والتي لا خلاف عليها.
إذاً، بالشكل المحادثات مع سوريا يُفترض أن تكون أسهل باعتبارها تقام مباشرة بين دولتين وإذا كان الجانبان السوري أو اللبناني يريدان الاستثمار بشرق المتوسط ضمن المنطقة الاقتصادية، فلا بد من الترسيم. أما بالمضمون، فالأكيد أنها لن تكون سهلة كما يُروج البعض، وسيستغل الجانب السوري الطلب اللبناني لإعادة طرح عودة العلاقات السياسية اللبنانية السورية إلى طبيعتها أو بدء مرحلة التطبيع السياسي بين الدولتين، كما أن أزمة الترسيم الحدودي بين لبنان وسوريا تتجاوز البحر إلى البر، فهناك العديد من المناطق غير المرسمة بينهما، على طول سلسلة جبال لبنان الشرقية، وصولاً إلى مزارع شبعا.
مصادر سياسية تشير إلى أن النظام السوري ليس حاضراً لتقديم هدايا مجانية لا لرئيس الجمهورية، قبل أيام من انتهاء ولايته، ولا للحكومة اللبنانية، التي لم تتخذ قراراً واضحاً بالانفتاح السياسي على سوريا، وعودة العلاقات بين الدولتين إلى عهدها السابق. وتؤكد هذه المصادر أنّ ملف الترسيم البحري مع سوريا سيوضع في الأدراج مرة جديدة، فالسوريون حالياً غير جاهزين لفتح هذا الملف الذي قد يفتح شهية البعض على ترسيم الحدود البرية خصوصاً في مزارع شبعا، كما أن الشركة الروسية لا تزال في المراحل الأولى من الدراسات للكميات المحتملة في المياه السورية، والروس، رغم ما حكي عن استعدادهم للدخول في الوساطة بين لبنان وسوريا، غير متحمسين لتسلم هذا المسار حالياً، أضف إلى ذلك أن دخول لبنان في مرحلة الفراغ الرئاسي، الذي قد يطول، من شأنه أن يفرض أولويات أخرى.
مواضيع مماثلة للكاتب:
المحكمة العسكرية ضحية “الكيدية” | مسؤولون لبنانيون للوفود الديبلوماسية: الأولوية للترسيم البري بدل الالتهاء بالقرار 1701 | أونصات مزورة في السوق اللبناني… والقضاء يتحرك |