ضجيج عون وباسيل بشأن الفراغ مادة لرفع السقوف وتحسين الشروط وتجييش الشارع
كتبت شهير إدريس لـ “هنا لبنان”:
دوت صفارات الفراغ الرئاسي والحكومي في قصر بعبدا مع إغلاق أبواب المكتب الرئاسي وقاعات مجلس الوزراء والإجتماعات وإنزال العلم اللبناني رمز البلاد وإزالة صورة رئيس الجمهورية عن مواقع التواصل الرئاسية، لكن الضجيج الذي سبق هذا الفراغ من قبل طروحات الرئيس ميشال عون وصهره رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل ليس إلا بهدف رفع السقوف والمداميك بوجه الجميع من أجل تحسين الشروط والمواقع في المعركة الرئاسية والحكومية المقبلة حيث ذهب رئيس الجمهورية إلى المدى الأبعد في المعركة من هذا الباب للتعطيل والإرباك أولاً وللضغط على الجميع ثانياً من أجل إنتخاب باسيل رئيساً للجمهورية خلفاً له وكأن كرسي الرئاسة مستباحة ولا من يحميها غيره.
فبعد تأكيد رئاسة الجمهورية عبر تغريدة على الموقع الرسمي أن الرئيس عون لن يوقع مرسوم إستقالة الحكومة عاد وأعلن عن توقيع المرسوم قبل خروجه من قصر بعبدا على الموقع نفسه، كما أعلنه في كلمته أمام الجماهير التي حضرت لوداعه.
ويؤكد الخبير الدستوري سعيد مالك لموقع “هنا لبنان” أنه من الثابت أن توقيع الرئيس يقع ضمن صلاحياته في المادة 53 من الدستور لا سيما ما يتعلق بصدور المراسيم الثلاثة دفعة واحدة، إثنان منها يُوقّعها الرئيس مُنفرداً بمقتضى المادة 54 من الدستور وهي مرسوم تسمية رئيس مجلس الوزراء الجديد ومرسوم قبول إستقالة الحكومة أو إعتبارها مستقيلة.
إلا أن ما حصل عبر توقيع مرسوم استقالة الحكومة بشكل منفرد وأحادي يعتبر “سابقة” والهدف منه إحراج رئيس مجلس الوزراء نجيب ميقاتي إلا أن هذه المحاولة بحسب تفسيره قد باءت بالفشل لأن الرئيس ميقاتي لم يتجاوب مع كل طلبات الرئيس عون وآخرها عبر إيفاد الأمين العام لرئاسة الجمهورية أنطوان شقير إلى السراي وتقديم العرض الأخير للرئيس ميقاتي قبل مغادرته إلى الجزائر والمتعلق بإصدار مراسيم الحكومة كما هي لتتجاوز العقبات الدستورية، ولدى سؤاله من ميقاتي عن الثقة وما إذا كان باسيل قد قرر منحها، أحال شقير الأمر إلى مجلس النواب ولم يعطه جواباً حاسماً حول منحه الثقة من نواب التيارالوطني الحر، وعندها أبلغه ميقاتي أن الطائرة تنتظره لتمثيل لبنان في قمة الجزائر العربية شاكراً للزائر عرضه المرفوض.
ويشير مالك إلى أننا أمام “شغور” وليس أمام “فراغ” إذ أن الشغور يمكن أن يُملأ بإنتخابات رئاسية في مجلس النواب وعند الشغور في سدة الرئاسة هناك أحكام الدستور الذي أعطى الحل ونظم الحياة السياسية والدستورية في البلاد ووجود الرئيس الجديد من شأنه أن يسهل هذه العملية أي إعادة انتظام الدولة والحياة السياسية، وعلى الجميع الإلتزام به إذ أن هذا الموضوع ليس له أبعاد طائفية أو دستورية.
إذاً عناوين وإتهامات كثيرة جرى طرحها قبل إنتهاء عهد الرئيس ميشال عون وبعده وسجالات عقيمة حول صلاحيات مجلس الوزراء وأبرزها ما جاء على لسان النائب جبران باسيل في بكركي قبل أيام وفي كل مناسبة، أن هناك إرادة واضحة من قبل ميقاتي وبدعم من بري والخارج وبعض المرجعيات لحصول الفراغ الحكومي ووضع اليد على رئاسة الجمهورية من خلال حكومة تصريف الأعمال، وهي برأيه فكرة كارثية ستجلب الفوضى قائلاً: “الله يستر” ماذا يحضرون في المستقبل وأكد عدم القبول بحكومة فاقدة للشرعية البرلمانية والشعبية.
ويعتبر الخبير الدستوري سعيد مالك أن عملية طرح عناوين كهذه للمرحلة المقبلة لا يفيد بشيء بقدر ما هو تجييش للشارع ورفع للسقوف، لافتاً إلى أنه من الصحيح أن تكليف رئيس الحكومة يسقط بإنتهاء ولاية رئيس الجمهورية لكن تبقى حكومة تصريف الأعمال قائمة لتتسلم مجتمعةً مهام الرئاسة خصوصاً وأنه لا ذكر في الدستور وتحديداً في المادة 62 لحكومة كاملة الصلاحية، إنما يشير إلى الحكومة من دون ذكر مواصفاتها وذلك بانتظار انتخاب رئيس جديد للجمهورية.
واعتبر أن المشترع قصد في هذه الحالة حكومة كاملة الصلاحية وليس حكومة مستقيلة منزوعة الصلاحيات وتصرف الأعمال في حدودها الضيقة. أي أن مجلس الوزراء سيصرف الأعمال بالمعنى الضيق حتى إنتخاب رئيس جديد للجمهورية، والموضوع رهن بالمستجدات والأمور الطارئة التي يراها رئيس الحكومة المكلف. وقد أوكل الدستور إلى مجلس الوزراء اليسير جداً من صلاحيات رئيس الجمهورية ولا يجير له كافة الصلاحيات الرئاسية كما يشاع، وإذا أردنا غربلة كافة الصلاحيات لوجدنا أنها فقط ما يتعلق بتوقيع المراسيم والقوانين.
العيون ستبقى شاخصة بإتجاه ساحة النجمة وما سيحصل في مجلس النواب بعد دعوة رئيس المجلس نبيه بري الخميس لمناقشة رسالة رئيس الجمهورية ميشال عون وفقاً للأصول، ودعوته مجدداً لجلسات لإنتخاب رئيس للجمهورية وقوله أن عنوان المرحلة المقبلة هو انتخاب رئيس للجمهورية لأن الفراغ مرفوض، بعد أن جوبهت دعوته للحوار بالرفض من قبل بعض القوى.
لذا فإن المرحلة المقبلة في لبنان بحسب مصادر سياسية مطلعة لموقع “هنا لبنان” ستشهد كباشاً سياسياً كبيراً حول صلاحيات مجلس الوزراء الذي سيستمر في تصريف الأعمال في حال لم ينتخب رئيس للجمهورية سريعاً، وستكون البلاد أمام أمر واقع مستجد عنوانه اللادولة والتعطيل الكامل في ظل الفراغ الذي يستعمله البعض فزاعة من أجل تحقيق مآربه السياسية، مشيرة إلى أن الامور قد ذهبت إلى المدى الأبعد في الطروحات الفضفاضة، فيما كان بإمكان الرئيس وتحقيقاً لأهدافه المرجوة أن يلج أبواباً أخرى لا يثير من خلالها أيّ إلتباسات ومشكلات وسط أزمات إجتماعية وإقتصادية ومالية مستفحلة قد تطيح معها الكثير من الحلول ويمكن معها توقع سيناريوهات سلبية على كافة المستويات قد تأخذ البلاد إلى جهنم جديدة بعد الجهنم التي وضع عون لبنان فيها. وهذا ما تحذر منه دول الإتحاد الأوروبي والجامعة العربية التي دعت إلى ضرورة إعلاء المصلحة الوطنية فوق أي إعتبارات وصولاً لتوافقات تفضي إلى إنهاء الإنسداد السياسي، والحيلولة دون الدخول في فراغ رئاسي لا تتحمله البلاد، والتنبيه من أن استمرار الشغور الرئاسي لفترة قد يطول أمدها سيكون له تبعات سلبية على لبنان في ظل التحديات الراهنة التي تواجهه. وبحسب المعلومات فإن الرهان في المرحلة المقبلة سينصب على تحركات دولية وإقليمية بعد إتفاق الترسيم من شأنها المساعدة في التعجيل في إنتخاب رئيس للجمهورية وإنهاء حالة الفراغ في لبنان.