مولوي: همّ السجون لا يغيب عن بالي
نظمت لجنة السجون في نقابة المحامين مؤتمرا تحت عنوان “ازمة السجون والحلول المقترحة”، برعاية وزير الداخلية والبلديات في حكومة تصريف الأعمال بسام مولوي وحضور نقيب المحامين ناضر كسبار.
قال مولوي: “لم يمض على المنتدى الذي عقد في وزارة الداخلية والبلديات لحشد الجهود بغية دعم نظام السجون في لبنان أكثر من شهرين، في حضور مجموعة من السفراء الأصدقاء وممثلي الجمعيات والنقابات والجامعات والقطاع الخاص لحشد الجهود دعما لتطوير منظومة السجون والنظارات في لبنان”.
وأضاف: “يحمل مؤتمركم اليوم عنوان: “أزمة السجون والحلول المقترحة”، وهنا أكرر أمامكم ما ذكرته حينذاك أن تطوير منظومة السجون وأماكن الإحتجاز وبناء سجون جديدة هي أولوية على الصعيد السياسي الإستراتيجي، ولهذه الغاية تعمل الوزارة بواقعية على إعادة تقييم الخطة الإستراتيجية الموضوعة في هذا الشأن والتي تتضمن إنشاء ثلاثة سجون جديدة، وذلك في ظل عدم وجود الموارد اللازمة وتراجع ماليّة الدولة. وفي الوقت الحالي، ترى الوزارة ضرورة اتخاذ اجراءات تكتية ضرورية لاحتواء الأزمة منعا لتدهور الأمور”.
واشار مولوي الى أنه “لا يمكن تبني أي مشروع لصياغة استراتيجية وطنية لتفعيل نظام السجون في لبنان دون أن يكون محامو لبنان شركاء فيه، إن على صعيد الورشة التشريعية بشكل أساسي حيث ينص شعار نقابتكم أن بيروت هي أم الشرائع، أو على صعيد إدارة السجون بما يؤدي إلى تحسين الأداء وضمان حقوق السجين وتحصين كرامة المحامي”.
كما تابع: “نلتقي معكم اليوم، حضرات المحامين، كشركاء الوزارة لتنسيق الجهود في خطة تفعيل نظام السجون والنظارات في لبنان التي تواجه تحديّات الإكتظاظ، ويعاني نزلاؤها، بسبب نقص الموارد المادية، من تراجع في الخدمات الطبية والإستشفائية نظرا لمحدودية المبالغ المخصصة لذلك في الموازنة وانهيار قيمة الليرة اللبنانية مقابل الدولار”.
وأكد أنه “يكاد لا يمر يوم على الوزارة دون أن يطرأ فيه حدث داخل أحد السجون أو النظارات في لبنان، أكلف الضباط المعنيين في الوزارة بالمتابعة والتنسيق مع المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي للوقوف على جو التطورات دقيقة بدقيقة، أعلم أن المعالجات لا تكون دائما مستدامة وعلى قدر الآمال، لكن هم السجون لا يغيب عن بالي، وطموحي أكبر بكثير من هذه المعالجات الظرفية”.
ولفت مولوي الى أنه “على المستوى التشريعي للتخفيف من وطأة الإكتظاظ، تقدمت باقتراح قانون لتخفيض السنة السجنية إلى ستة أشهر، حيث آمل من السادة النواب إقراره في أقرب وقت، ومجددا لا يشكل هذا الإقتراح حلا نموذجيا لمشكلة الإكتظاظ، لكنه يحاكي بواقعية أزمةً تتمثل أسبابها بقصور في خدمات الدولة بشكل عام ولا تقتصر على إدارة أو وزارة بحد ذاتها. فلتعلموا أن أعداد الموقوفين في تزايد منذ الإعتكاف القضائي، ولتعلموا أن ظروفهم الحياتية داخل السجون والنظارات في غاية الصعوبة”.
واوضح أنه “على المستوى اللوجستي، فبعد الإقفال القسري لنظارة جسر العدليّة بسبب تدهور حالته الإنشائية وافتقاره لمعايير حقوق الإنسان، وإقفال سجن حلبا لغرض الترميم وتوزيع نزلائهما على باقي السجون والنظارات، سيتم خلال أشهر قليلة افتتاح مركز الوروار النموذجي لإصلاح الأحداث الذي يتم تمويله من الإتحاد الأوروبي بمتابعة من UNODC. وعلى صعيدٍ آخر، يتابع فريق الوزارة مع الجهات المانحة مشاريعَ يتم إعدادها استكمالاً للمنتدى الذي عقد في الوزارة لدعم السجون والتي أثمرت تقديم هباتٍ تمثّلت ببعض التجهيزات ودعم على صعيد الإستشفاء والطبابة”.
واستطرد قائلًا: “أغتنم فرصة المؤتمر لدعوة السادة القضاة، مع الإقرار باستقلاليتهم في أداء وظيفتهم القضائيّة، إلى سرعة البت بطلبات إخلاء السبيل وتسريع المحاكمات، رغم الظروف الصعبة التي يمرون بها، وإلى اجتراح الحلول القضائية، ومراعاة أحكام المواد 108، 111 و 138 من قانون أصول المحاكمات الجزائية، كذلك أدعو نقابتي المحامين، بالتنسيق مع القضاء، إلى إعادة تفعيل غرفة العمليّات التي أنشئت إبان أزمة كورونا لتفعيل إخلاءات السبيل، والتي أثمرت حينذاك نتائج هامة وسريعة”.
وأكد أن “معاناة النزلاء في سجوننا مضاعفة من جراء الأزمة، إذ تضاف إلى الإكتظاظ معاناة الطبابة والإستشفاء، إضافة إلى الحاجة الملحة لصيانة المباني وآليات السوق والإسعاف. وفي ظل استمرار انقطاع التيار الكهربائي، تبرز الحاجة إلى تأمين مصادر مستقلة ومستدامة للطاقة تغذي السجون”.
وجزم وزير الداخلية بالقول:”لم آت إليكم اليوم لأعرض عليكم أرقاما وإحصاءات على معرفة بها وبتحديثاتها، بل أتيت اليوم أنقل لسعادة النقيب ولكم ما يجول في ضميري من مآس وقضايا وأفكار، أتيت أشارككم بها وأمد أيادي الوزارة إليكم أنتم الذين تلتزمون بقسمكم”.
ورأى أن “قضية السجون ليست قضية قانونية حقوقية فحسب، بل هي قضية أخلاقٍ وضمير. نحن مؤتمنون عليها، واجبنا أن نقوم بكل ما في وسعنا لإحقاقها، وعدي قاطع بذلك”.
وشدد مولوي على أن “الحق الحق أن المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي لم تدخر جهدا، رغم عظم مسؤولياتها في الضابطة الإدارية والعدلية، في توفير أفضل الظروف الحياتية الممكنة للنزلاء، فأعطتهم الأولوية على عناصرها من حيث الطبابة والإستشفاء”.
واعتبر أنّ “مشكلة السجون في لبنان ليست منعزلة عن باقي مشكلات البلد الذي يعاني ما يعانيه، وهو لن يكون منفردا في عاصفة الإقتصاد ونائبة الإنهيار المالي، بل سيلاقيه أشقاؤه بإذن الله بيد العون رغم دأب البعض على محاولة حرف لبنان عن محيطه العربي الطبيعي والقفز فوق دستوره إلى مغامرات لا تشبه أهله، بعيدة عن نفس الخير”.
واوضح أنّ “تلك المغامرات التي تحاول خائبة بث الحقد وتكريس الفرقة والإنقسام وكسر ميثاقية الطائف، طائف العروبة ونهائية الكيان، مغامرات لن تجد لها سبيلا في نفوس الصادقين ولا محلا في دستور لبنان، هي مغامرات الفراغ وستسقط حتما في الفراغ”.
واضاف: “في زمن الشغور في موقع الرئاسية الأولى الذي نتمنى ألا يطول، نتابع تحمل المسؤولية في العناية بشؤون المواطنين وفق ما يفرضه الدستور، ويمليه علينا الضمير والدستور، ولن نلتفت إلى نكد من هنا أو محاولات بلبلة من هناك ولن يعيقنا التحريض أو تحميلنا وزرا لا نتحمله”.
وختم: “نحن من اللبنانيين، كل اللبنانيين، ونعمل للبنان واللبنانيين، كل اللبنانيين. نحبكم جميعا ونحب لبنان.مشروعنا الدولة، هدفنا بناء الدولة حيث لا مشروعية خارج الشرعية. أشعر بلهفاتكم إلى لبنان، بلد أهل البلد، لبنان الرسالة، لبنان العدالة، لبنان العربي، لبنان العيش الواحد. أنا وأنتم على يقين أننا سنتجاوز الأزمات بإيمان وصبر ورؤية”.
بدوره، رأى كسبار أن السجن هو سلب لحرية إنسان بوضعه في مكان يقيد حريته. وهو طريقة لإحتجاز شخص بموجب قرار أو حكم قضائي. وإذا كان القانون يجيز سَجن إنسان، ومنعه من التنقل وممارسة حياته اليومية، وبالمعنى الواسع سلبه حريته، إلا أن هذا الأمر لا يعني أن تسلب منه كرامته”.
واشار الى انّ “في لبنان اليوم بلغ عدد المساجين تسعة آلاف سجين. يتوزعون على خمسة وعشرين سجنا ومائتين وتسع وعشرين نظارة. سجن رومية المركزي الذي بني في العام 1972، أعدَّ ليستوعب 1200 سجينا، موجود فيه حاليا أربعة آلاف سجين.ثلاثون بالمئة من المساجين من غير اللبنانيين، ومن بينهم ستون في المئة من السوريين”.
وكشف كسبار أن “ألف سجين ينتظرون البت بتخلية سبيلهم. والأمر متوقف بسبب إستنكاف القضاة عن البت، حيث كانوا يبتون بمعدل عشرين طلبا يوميا إما سلبا أو إيجابا. وهناك مجموعة أخرى انتهت مدة محكوميتهم ولا يزالون ينتظرون الإفراج عنهم ويتطلب الأمر توقيع القضاة المعتكفين”.
وأضاف: “أما حراسة تلك السجون فلا تبشر بالخير على الأقل بسبب قلة العناصر. إذ نرى مع كل مسؤول حالي وسابق عشرات العناصر. أما السجن الذي يستوعب الآلاف من المساجين المتهمين بجرائم متعددة والمحكومين بها، فعدد العناصر ضئيل جدا. إذ لا يكفي أن نمضي الوقت الطويل في عجقة السير أمام مستديرة قصر العدل التي تعتبر أكثر منطقة في لبنان تشهد زحمة سير نظرا لوجود قصر العدل وبيت المحامي والأمن العام والوزارات والإدارات، ومع ذلك لا نجد شرطيا واحدا ينظم السير، بل أيضا نشهد تقصيرا في عناصر حماية السجون”.
واعتبر كسبار أنّ “هذا الإكتظاظ في السجون، مرده إلى عدة عوامل، منها عدم احترام نص المادة 108 من قانون أصول المحاكمات الجزائية، والبطء في بت الملفات، وازدياد عدد الجرائم في ظل الوضع المعيشي المتردي، وانعدام الأخلاق، والفلتان الأمني، والتوقيف “عن بو جنب”، وعدم البت بإخلاءات السبيل وبخاصة في الدعاوى المالية التي يمكن فرض كفالات مالية عالية بدلا من إبقاء الموقوف في السجن”.
كما تابع: “قبل وفاته، أخبرني المحامي أوغست باخوس ان شقيقه القاضي جان باخوس كان رئيسا للهيئة الإتهامية في طرابلس وانه استاء مرة من قرارات أحد قضاة التحقيق الذي كان يوقف “عالريحة”: وهي كلمة كان يستعملها الأستاذ باخوس، وعندما سأله القاضي باخوس عن سبب التوقيف وعن سبب رد طلب إخلاء السبيل كان يجيبه: وكيف بدنا نفرض هيبتنا؟. طبعا كان القاضي باخوس في معظم الأحيان يفسخ قرار قاضي التحقيق بخاصة في الشكاوى المالية مقابل كفالة”.
وأدرف نقيب المحامين: “لن أكرر الكلام الذي نسمعه دائما حول دخول الإنسان بجرم صغير، لا طعم له، ويخرج من السجن وقد تعلم الأساليب المتعددة في الإحتيال وغيره ليصبح عنصرا فاسدا في المجتمع. نحن نعلم أنه يتقتضي تأهيل السجين في السجن. ونعلم أنه يقتضي معاملته معاملة حسنة، إلا أن هذه الآمال تتبدد لأن الوضع في لبنان مرتبط ببعضه. ففي ظل الأزمة الإقتصادية الخانقة، كيف يمكن إنشاء سجون نموذجية؟ وكيف يمكن خلق مراكز تأهيل للمساجين؟”.
وختم: “الإتكال على مسؤولين واعين، يحاولون التخفيف على الأقل من هذه الأزمة الخانقة في السجون، وعدم التوقيف إلا لأسباب جوهرية، والإستعاضة عن ذلك بفرض كفالات مرتفعة بخاصة في الشكاوى المالية والإسراع في بت الملفات وطلبات إخلاء السبيل.
طبعا نحن مع النظرية التي تقول: بدلا من بناء السجن، يقتضي بناء مدرسة وجامعة. إلا أن هذا الكلام الجميل يبقى نظريا، لأنه لا بد من بناء السجون وبما ان الدولة تملك الأراضي الشاسعة في كل لبنان، فلماذا لا تبنى السجون النموذجية في مركز كل حافظة، وبشكل يستوعب المساجين؟”.
وكانت كلمات لكل من رئيس لجنة السجون في نقابة المحامين حوزف عيد ورئيس محاضرات التدرج الكسندر نجار.
مواضيع ذات صلة :
الحجار أصدر تعميما لتخفيف الإكتظاظ في السجون | سجناء لبنان ينزحون أيضاً: قلقون على حياتهم وذويهم | ريفي يحذّر: السجون اللبنانية قنبلة موقوتة! |