هدر الطعام في لبنان: متعدد الأوجه ويتطلب حلولاً شاملة وإنسانية
كتب مازن مجوز لـ “هنا لبنان”:
أكثر من ثلث كميات الطعام تذهب هدراً في لبنان سنوياً، هي الخلاصة التي توصلت إليها دراسة حديثة أعدتها الجامعة اللبنانية الأميركية LAU، في وقت لا يزال معظم اللبنانيين يكابدون من أجل الحصول على رغيف الخبز والمواد الأولية من خضار وفواكه ولحوم (بنوعيها الأحمر والأبيض) الضرورية لتأمين لقمة العيش اليومية لهم، بدليل إعلان برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة، منذ أسبوعين أن أكثر من نصف اللبنانيين بحاجة للمساعدة لتغطية احتياجاتهم الغذائية والاحتياجات الأساسية.
وأتى موضوع هدر الطعام، كعنوان الطاولة المستديرة التي عقدت في الجامعة المذكورة في 20 من تشرين الاول الماضي لمناسبة “اليوم العالمي للتوعية على هدر الطعام” بتنظيم من برنامج التغذية في قسم العلوم الطبيعية التابع لكلية الآداب والعلوم، بالتزامن مع أزمة إقتصادية وإجتماعية ومعيشية خانقة يعيشها معظم اللبنانيين؛ ما يطرح علامة استفهام كبرى حول التناقض الذي يعيش اللبنانيون.
وإذا كانت كلمة المشاركين في الندوة ركزت على أهمية الموضوع في ظل العجز عن تأمين الطعام للكثير من العائلات وعلى مشكلة الأمن الغذائي وعلى ارتباط الهدر بمفاهيم الضيافة اللبنانية(خصوصاً في المطاعم) وإقامة الموائد العامرة وإنعكاس هذه الظاهرة على تفاقم أزمة النفايات، فإنه وبحسب برنامج الأمم المتحدة للبيئة ثمة 61 في المئة من الطعام يتم هدره في المنازل، و26 في المئة في المطاعم، والباقي يتم هدره في السوبرماركت.
ويعلق الخبير بالسموم البيئية والغذائية في جمعية حماية المستهلك جوزيف الصايغ في حديث لـ “هنا لبنان”: “ليس لدينا طفرة تسبب الـ 30 % هدراً في الطعام، لكن مما لا شك فيه أن اللبناني بحاجة إلى تعزيز ثقافة التعاطي الأفضل مع الطعام، إذ أن دورة الإنتاج لا تنحصر فقط عند إنتاجه في المنازل والمطاعم، بل تنطلق في الأصل منذ اللحظة الأولى لزراعة المنتج (كالخضار والفواكه) مروراً في مراحل قطفه وحصاده وصولاً إلى مراحل بيعه في الأسواق”.
ويعزو الصايغ أهم الأسباب إلى كل ما يتعلق بالعمليات اللوجستية، داعياً إلى التوقف قليلاً عند مزارع ما لديه منتج معين، فهو عندما يجد أن تكاليف النقل والتخزين والتبريد هي أعلى من أسعار المنتج الذي سيحصل عليه في النهاية، فلن يقوم أصلاً بنقله إلى الأسواق في العاصمة أو المدن الكبرى. إضافة إلى ذلك تشكل أسعار الوقود العالية جداً عنصراً أساسياً في عرقلة عمليات الإنتاج والنقل والبيع.
ومن هنا باتت عمليات التلف اليوم تطال معظم المنتوجات الزراعية من خضار وفواكه في الحقول والبساتين وأيضاً ضمن إحتجاجات يقوم بها المزارعون على الطرقات العامة في مناطقهم، وهي تبلغ مئات الكيلوغرامات على مستوى لبنان؛ بعد أن أصبحت تكاليف النقل لهذه المنتجات أعلى من سعر المنتج الذي سيجنيه المزارع ما يعني أن الخسارة أصبحت حتمية.
كلام الصايغ ينسجم مع ما جاء في كلمة باولو مالنجو الأخصائي في فعالية الموارد والإنتاج والإستهلاك المستدامين لدى برنامج الأمم المتحدة للبيئة حول أزمة الطعام والهدر فيها، وأيضاً مع كلمة عميدة كلية الآداب والعلوم الدكتورة كاتيا جنيناتي التي حضت على أن يكون الحل شاملاً مختلف قطاعات الاقتصاد والأعمال والمستهلكين وصولاً إلى معالجة هذه المشكلة الإنسانية، وبالطبع فإن شمولية الحل والجانب الإنساني من المشكلة يقتضي أيضاً النظر في الزاوية التي ينظر منها الصايغ حيال المشكلة.
ويضيف بأن هذه الشمولية توجب النظر أيضاً بالخلل الحاصل بعمليات الإنتاج والتوزيع والبيع، وثانياً ضرورة أن يبدل لبنان في نوعية الزراعة فيه، كي لا تكون زراعة تعتمد على الكمية بل زراعة تعتمد على الجودة، لأن الوضع القائم يؤدي إلى خلل في الإستيراد والتصدير وفي الإستهلاك المحلي، سائلاً: هل تخفى على أحد الشروط والمعايير التي يواجهها لبنان أثناء عمليات تصدير منتجاته الزراعية والغذائية إلى الكثير من البلاد العربية والأوروبية؟ والسبب لأن هذه البلاد تحترم صحة الإنسان ولن يسمحوا للمنتج اللبناني بالدخول إلى أسواقهم إذا لم يكن مطابقاً للشروط الخاصة بكل بلد.
وفي الختام يسأل الصايغ ألا يسبب عدم احترام المعايير المتعلقة بالمنتجات الزراعية وجعلها بعيدة عن التلوث والسموم خوفاً عند المستهلك عندما يسمع أكثر من مرة أنها تروى بمياه الصرف الصحي وأنها ملوثة وذات معدلات عالية من السموم؟ وبالتالي يضطر إلى التخلص منها أكان ذلك قبل عملية الطبخ أو بعدها.
مواضيع مماثلة للكاتب:
“ابتكار لبناني”.. أملٌ واعد لفاقدي البصر! | بين القوننة والأنسنة.. هل تهدّد التكنولوجيا أطفالنا؟ | لبنان غنيّ بالمياه الجوفية العذبة.. ثروة مهدورة بلا استثمار! |