بعد ست سنوات من ترؤس بلد مأزوم.. عون يترك مقعده شاغراً
ترجمة “هنا لبنان”
شهدت مرتفعات بعبدا سلسلة بشرية صباح الأحد الفائت، تجمع منظموها لوداع الرئيس اللبناني السابق ميشال عون في ساعاته الأخيرة قبل مغادرة القصر الجمهوري، تاركاً منصبه شاغراً بعد ست سنوات من ترؤسه البلاد التي تعصف بها الأزمات.
ووفق تقرير نشرته صحيفة “لوموند” الفرنسية، فإن الجنرال المسيحي اللبناني البالغ من العمر 89 عامًا والذي بدا عليه التعب والضعف، ألقى خطابه الأخير أمام وبحضور حشد من أنصاره في التيار الوطني الحر الذين زينوا المكان بالألوان البرتقالية لحزبه.
ويعيد لقاء الأحد إلى الأذهان الخطاب الذي ألقاه الرئيس عون لحظة توليه الرئاسة ولم يلقَ حماساً إلا بين أولئك الذين ما زالوا يعتبرونه عناية إلهية أرسلتها السماء، إذ سلط الضوء على “الانتصار” الذي تم تحقيقه قبل أيام قليلة من نهاية فترة ولايته التي استمرت ست سنوات”، مشدداً على أن “اتفاق ترسيم الحدود البحرية مع إسرائيل هديته للبنانيين”، وما تبقى من الخطاب لا يتعدى سلسلة اتهامات ضد خصومه السياسيين ممن يحملهم مسؤولية الإخفاقات التي تخللت رئاسته.
وجاء عون إلى السلطة في عام 2016 واعدًا بأن يكون “رئيسًا قويًا” وموحدًا ومصلحًا، إلا أنه غادر مكروهاً من قبل غالبية اللبنانيين، إذ أنه لم يسبق لأي رئاسة أن تخللتها أزمات من هذا النوع، بداية من انتفاضة تشرين 2019 مروراً بجائحة كورونا والانفجار الذي هز مرفأ بيروت في الرابع من آب عام 2020، وصولاً إلى الانهيار الاقتصادي الذي وصلت إليه البلاد.
ورغم ذلك، استمر عون في حالة إنكاره لمسؤولية أنصاره في أروقة الحكم عن الأزمات في عهده، وذهب إلى حد نصح اللبنانيين الساخطين بمغادرة البلاد، يسانده في ذلك صهره جبران باسيل بصفته “رئيس ظل”، مارس رئاسة مثيرة للخلافات في ظل غياب الحكومة معظم الوقت، تاركاً وراءه دولة مأزومة تنهشها خلافات وانقسامات عميقة، وتضاف إليها أزمة مؤسساتية جديدة مع شغور منصب الرئاسة.
وقد اعتبر كريم بيطار رئيس قسم العلوم السياسية في جامعة القديس يوسف في بيروت أن عون “وصل إلى السلطة محاطاً بهالة منقذ الأمة تحت شعار التغيير والإصلاح، لكنه أثبت ضعفه وعدم قدرته على تنفيذ طموحاته ودعا إلى طريقة جديدة لممارسة السياسة ودافع عن مبدأ الدولة المدنية. وحالفه الحظ من خلال قاعدة شعبية دعمته، كما أنه كان قريباً من أقصى اليمين المسيحي، وحليفاً لحزب الله”.
النفي القسري في فرنسا
تم ابتداع هالة عون الأسطورية خلال الإقامة الأولى لهذا القائد العام السابق للجيش في بعبدا، بعد توليه رئاسة الحكومة العسكرية في عام 1988. وبعد حرب شنها ودارت بين الأخوة المسيحيين، شن حرب التحرير ضد الوجود السوري في لبنان، الذي مني بخسارة في خريف 1990 وفشل في تحقيق أهدافه، وتمكنت خطاباته النارية آنذاك من التأثير في الحشود المسيحية التي شعرت بالاستياء من الميليشيات والتدخلات الأجنبية في البلاد، إلا أنه تمكن عبر ذلك من التأسيس للعونية، وفق مدير معهد عصام فارس في الجامعة الأمريكية في بيروت جوزيف باحوط، الذي وصف قاعدة عون على “أنها شعبوية أساسية ومعادية للنخبة، جوهرها تأليه القائد”.
و خلال أربعة عشر عامًا من النفي القسري في فرنسا، أسس الجنرال مع المقربين منه حركته السياسية، تحت اسم التيار الوطني الحر، وقبل عودته إلى لبنان في أيار 2005، انسحب السوريون بعد ثورة الارز التي نظمت عقب اغتيال الرئيس رفيق الحريري في عملية تفجير اتهمت دمشق بتنفيذها.
فاز التيار الوطني الحر بأول اقتراع له في الانتخابات التشريعية، وفي تطور دراماتيكي، أبرم عون تحالفًا مع حزب الله، حليف سوريا في لبنان.
ويزعم ميشال عون أن اتفاق الطائف الذي أنهى عقودا من الحرب الأهلية عام 1989، أبرم لصالح المسلمين وحط من مكانة المسيحيين.
من جهته، أكد الأمين العام السابق لتحالف 14 آذار فارس سعيد، أن الاتفاق ختم تحالف الأقليات ضد الأغلبية السنية، على أساس مقايضة تقضي بإعطاء شرعية لحزب الله مقابل إمكانية حكم المسيحيين.
وفي إطار الوفاء بالوعد الذي قطعه لعون، أسهم حزب الله بتكريس عملية الشغور الرئاسي لأكثر من عامين.
وفي تشرين الأول عام 2016، تم انتخاب الجنرال بعد إبرام اتفاق مع الزعيم السني سعد الحريري وحلفائه المسيحي سمير جعجع والدرزي وليد جنبلاط. والذين يعتبرهم عون، مع رئيس مجلس النواب نبيه بري، الطبقة المسؤولة عن نظام المحسوبية والفساد السياسي اللذين سيقوضان الدولة اللبنانية.
قريباً سيصبح وعد الرئيس عون بإعادة لبنان إلى الحضن العربي، في طي النسيان، في حين أن جبران باسيل وزير الخارجية والمغتربين في الفترة من 2014 إلى 2020، أظهر دعمه لحزب الله وإيران في حربيهما في سوريا واليمن، وأكمل القطيعة مع قادة الخليج.
ويريد الرئيس عون أن يصحح “خطأ” الطائف ويعيد “حقوق” المسيحيين فيما يتضاءل ثقلهم السياسي والديموغرافي، فقد أقرّ مجلس النواب اللبناني، قانوناً انتخابياً جديداً يعتمد أساس النسبية في عام 2018 مما يزيد من الحضور المسيحي في البرلمان.
ووفق مروان حمادة النائب المقرب من وليد جنبلاط، فإنه “بصرف النظر عن تورطهم أكثر من غيرهم في الفساد بذريعة تعزيز صلاحيات الرئيس المسيحي، وضع التيار وحلفاؤه أيديهم على جميع الوزارات السيادية في الحكومة.. وتسلل صهر الرئيس في نظام الإدارة والعدالة وفتح الأبواب أمام حزب الله”.
وسرعان ما تلاشى الإجماع الذي تم التوصل إليه بشأن ولاية عون، بعد أن جاء إلى السلطة مع تحالفات سياسية كبرى خسرت لاحقاً، باستثناء التحالف مع حزب الله. وفقد منصبه كرئيس محكم.
“وكل ذلك بسبب جبران باسيل”، ينتقد عضو في التيار الوطني الحر طلب عدم الكشف عن هويته، سلوك باسيل صهر الجنرال (52 عاماً)، متهماً إياه باستغلال تدهور صحة ميشال عون ليحكم مكانه، في حين ينظر الجنرال وهو أب لثلاث بنات إلى صهره على أنه أحد أبنائه، كما يذكره على ما يبدو بأطباعه وغطرسته، وطموحه اللامتناهي وعمله الجاد إلى درجة تعيينه على رأس التيار في عام 2015.
ووفق جوزيف باحوط “جبران باسيل عرف كيف يضع نفسه في مكانة من خلالها لا يمكن الاستغناء عنه، وقام بعزل ميشال عون عن بعض من محيطه، أولاً في الأسرة ثم أسس قاعدته الخالصة داخل الحزب. ولعب دورًا كبيرًا في إفشال وعزل عون”.
ويواجه المؤمنون بالجنرال هذه الاتهامات، بعبارة مكررة لا تبرر سوى الخلل والأزمات، “ما خلونا نشتغل”، ويذكرون أن جذور الأزمة المالية أقدم من ولاية عون. ويستنكرون العرقلة المنهجية لأي إصلاح من قبل خصومهم السياسيين.
و يدافع النائب السابق سيمون أبي رميا عن أداء التيار ورئيسه مشيراً إلى أنه “لم يكن فشل شخص واحد، بل فشل نظام مؤلف من سبعة أطراف، لكل منهم حق الاعتراض ويعملون لأجل مصالحهم الحزبية، وليس المصلحة الوطنية”.
مع نهاية رئاسة عون، بات مستقبل قانون الإجراءات الجنائية مهدداً، وفي الانتخابات التشريعية التي جرت في أيار 2022، حصل التيار على 17 نائباً، وخسر لقب أول حزب مسيحي لصالح القوات اللبنانية، وباتت فرص جبران باسيل في أن يصبح رئيسًا ضعيفة، وبدون هذا المنصب ، لن يكون للحزب نفس الثقل السياسي في تشكيل الحكومة والقرارات السياسية.
وبعد تدهور صحته، لن يلعب عون دورًا مركزيًا بعد الآن.
من جهته يؤكد النائب آلان عون، ابن أخ الجنرال، أن رحيل ميشال عون سيخلق فراغًا كبيرًا، وفي ظل غياب هذا القائد الموحد، والتنافس بين جبران باسيل وأعضاء آخرين في الحزب، يتوقع البعض “أزمات وانقسامات عنيفة، وانشقاقات في صفوف وأروقة التيار”.
المصدر: Le Monde
مواضيع ذات صلة :
عون يودّع القصر الرئاسي وسط إجراءات أمنيّة | عهدك الميّاس | … وهل سيكرّمها الرئيس أيضاً؟ |