“عونك جايي من الله”
كتب ناشر “هنا لبنان” طارق كرم:
تستحقّ ظاهرة ميشال عون وجمهوره أن تُدرس من قبل اختصاصيّين في الجامعات الكبرى في العالم. قد تكون، مثلاً، مادّةً لأطروحة دكتوراه. ما فعله بعضهم في mtv يستحقّ فصلاً خاصّاً في هذه الأطروحة.
يشبه الجنرال ميشال عون بعض جنرالات دول العالم الثالث الذين يصلون إلى السلطة عبر “بيان رقم واحد”، ويشنّون حروباً تشبه تلك التي خاضها دونكيشوت، وهماً. يشبّه بعض جمهور عون زعيمهم بالسيّد المسيح. “عون الجايي من الله”، كمرسلٍ ليخلّص لبنان. هم يغفرون له كلّ ارتكاباته.
فقد تحدّث عون، من باريس، عن حزب الله بالسوء، ونفى عنه صفة المقاومة، وحذّر من خطر ولاية الفقيه. ثمّ تحالف مع حزب الله وتحوّل، في محطاتٍ كثيرة، إلى أداةٍ في يده.
وهاجم عون سعد الحريري واعتبر تيّار المستقبل رمز الفساد وقطع له “وان واي تيكيت”، ثمّ عقد تسويةً معه، وبات سعد الحريري كمثل ابنٍ لم ينجبه، ثمّ هاجمه من جديد.
وخاصم عون رموز وأصدقاء سوريا في لبنان، من سليمان فرنجيّة إلى ميشال المر وايلي الفرزلي والياس سكاف وغيرهم بعد، ثمّ تحالف معهم جميعاً، ثمّ خاصمهم جميعاً.
وهاجم عون وليد جنبلاط، ثمّ حاوره، فخاصمه، فحاوره، فعاداه.
وهاجم عون نبيه بري، ثمّ جلس أنصاره مع أنصار بري في خيم وسط بيروت، وبدأ جبران باسيل وعلي حسن خليل يعدّان ورقة تفاهم بين “التيّار” و”الحركة” وانتخبه رئيساً للمجلس النيابي مرّتين، ثمّ أصبح بري رمز الفساد و”البلطجي”. ثمّ تحالف معه في الانتخابات النيابيّة الأخيرة.
وخاض عون حرباً ضدّ “القوات”، ثمّ جمعتهما المصيبة، ثمّ فرّقهما “تفاهم مار مخايل”، ثمّ جمعهما “تفاهم معراب” وكأس الشمبانيا الرئاسيّة، قبل أن يصبح سمير جعجع، بلغة العونيّين، مجرماً وميليشياويّاً.
وتكثر الأمثلة. قامت ظاهرة عون على معاداة سوريا، وحين عاد إلى لبنان زار براد مرّتين، ولم يسأل عن مفقود، كمثل ديكتاتور لا ينظر إلى من يسقط من ضحايا على يمينه ويساره. ومع ذلك جمهوره يغفر و”يطنّش” ويؤلّه…
وبعد، تختلط مشاعرنا تجاه جمهور “التيّار” بين شفقة وازدراء. هو جمهور مخدوع، موهوم، كمثل هؤلاء الذين كادوا يغرقون منذ أيّام وهم يودّعون الرئيس الكوري الشمالي كيم جونغ اون وهو يبحر في مركب. جمهور عون لا يأبه للغرق، لأنّ زعيمه، ولو تلعثم بالكلام و”تفركش” بالمشي، سينقذه لأنّه “جايي من الله”.
جمهور مستعدّ للموت من أجل زعيمه، وهذه ظاهرة مخيفة، ومستعدّ لأخذ حقّه بيده، تماماً كما فعل في mtv، فبات يمارس مع الآخرين ما كان يشكو منه.
ما يؤسفنا فعلاً أنّ هؤلاء لا يغرقون لوحدهم بل أغرقوا معهم البلد كلّه. ومن المؤكّد أنّ ميشال عون ليس المسؤول الوحيد عن غرقنا، ولكنّه، منذ العام ٢٠١٦، بات المسؤول الأول. وهذا ما لن ننساه، ولن ينساه، خصوصاً، ضحايا ٤ آب، حتى ينال ميشال عون المصير الذي يستحقّه. بئس المصير.
مواضيع مماثلة للكاتب:
ما بعد الحرب… هزيمة أو انتصار؟ | ويبقى الجيش هو الحلّ… | جبران: رِدّ الصاروخ |