كيف سيعيد الذكاء الاصطناعي تنظيم عالم كرة القدم؟
يتغلغل الذكاء الاصطناعي في معظم مجالات الحياة العصرية، سواء وعينا هذه الحقيقة أم لم نعيها، حتى إنها أصبحت في حالات عدة جزءاً لا ينفصل عن إنسان اليوم، إذ تسهل خوارزميات الذكاء الاصطناعي الحياة وتديرها وتوجهها لتساعد على “أتمتة” العمليات واتخاذ القرارات وأداء المهام عوضاً عن البشر، كما تسهم في إحداث تغييرات وتحولات كبرى في قواعد وتفاصيل كل مجال تطرق أبوابه.
وللذكاء الاصطناعي قيمة كبيرة في عالم الرياضة، بسبب ما يقدمه من البيانات الضخمة وميزات الدقة والسرعة، التي تشمل المساعدة على تنظيم الجمهور ومراقبة المناخ العام للمباراة وتشكيل الفرق وتنظيم مجريات اللعب والعمل على ضمان سير الخطة بالشكل المحدد مسبقاً، وغيرها من التقنيات التي تتلخص جميعها في اتخاذ القرارات في أجزاء من الثانية والحسم بصوابيتها من دون انتظار نهاية المباراة والدخول في موجة تحليلات وآراء متنوعة، الأمر الذي سيجعل المنافسة أكثر عدلاً والمشجعين أقل تذمراً، فكل شيء مسجل وبدقة شديدة بواسطة آلاف الكاميرات الموزعة في كل مكان داخل الاستاد، ترافقها تكنولوجيا أنظمة تعقب تتابع كل شاردة وواردة.
إغلاق باب التحليل الشعبي
إذاً نحن أمام عدد كبير من المهام التي سيتولاها الذكاء الاصطناعي، وستسقط عن كاهل الحكام والمدربين وقادة الفرق أعباء عديدة، إذ لطالما تسببت بعض الأخطاء في مباريات كرة القدم أو سوء التقدير التي تتسبب بها محدودية الحواس البشرية وبشكل خاص الرؤية، في ظلم أحد الفرق أو أحد اللاعبين أو ترك مجال واسع لسيل من التعليقات والآراء المختلفة حول حدث معين داخل المستطيل الأخضر في نهاية كل مباراة.
ولطالما اعتبر الحكام “الخاسر الأكبر” في مباريات كرة القدم، إذ غالباً ما يتم إدانتهم من قبل مشجعي الفريق الخاسر بسوء اتخاذ القرارات والتواطؤ مع الفريق الخصم، إضافة إلى سلسلة اتهامات أخرى تتعلق بالرشوة أو الانحياز على اختلاف أنواعه، ولكن اليوم مع وجود بعض التقنيات التي ستساعد الحكام على اتخاذ قرارات دقيقة ومسجلة بالصوت والصورة، بحيث لا تترك مجالاً لأي اعتراضات أو اجتهادات شخصية، سيغلق المجال أمام جلسات التحليل الرياضي الشعبية والآراء المختلفة المتعارضة، حول إذا ما كان الهدف تسللاً أم هل اجتازت الكرة خط المرمى، أو لمست يد أحد اللاعبين بالخطأ.
تحليل المباريات الذي كان يستمر أياماً عدة بعد انتهائها سيصبح من عالم النسيان، لأنه من الممكن اليوم الحصول على تقرير مفصل تقدمه تقنيات الذكاء الاصطناعي التي التقطت مسبقاً جميع الأحداث بتفاصيلها من خلال كاميرات ذكية بتقنية Computer Vision، تكشف عن اللحظات الرئيسة للعبة وتمكن الجمهور من تفحصها مباشرة، كما لن يعود هناك من داع بعد اليوم للانتظار ساعات بعد المباراة لمشاهدة اللقطات المميزة أو الأهداف بالحركة البطيئة.
التوقعات
ولطالما جلبت المراهنات الرياضية وما تحملها من إثارة كثيراً من الأموال لهذه الصناعة، مما أسهم في استثمار التكنولوجيا في هذا الجانب أيضاً، إذ تتمثل الميزة الكبرى للذكاء الاصطناعي في قدرته على معالجة كمية كبيرة من البيانات، الأمر الذي يجعل تنبؤاتها أكثر صوابية من تنبؤات البشر، والعوامل الرئيسة للتحليل هي تكوين الفريق وعدد الأهداف والتمريرات والاستراتيجية الشاملة القائمة على تحليل المباريات السابقة، إضافة إلى تقديم توقع مستمر لما سيحدث كل 15 دقيقة قادمة من عمر المباراة، عن طريق تحليل البيانات المتغيرة التي ترد إلى النظام، بالتالي مساعدة المدربين على سرعة ودقة اتخاذ القرارات اعتماداً على المعطيات بدلاً من الاعتماد على التحليلات اليدوية التي تظل عرضة للخطأ.
تخطيط المباريات
وبحسب شركة الأبحاث والاستشارات الأميركية allied market research، بلغت قيمة الذكاء الاصطناعي العالمي في سوق الرياضة نحو 1.4 مليار دولار في عام 2020، ومن المتوقع أن تصل إلى نحو 19.2 مليار دولار بحلول عام 2030 بمعدل نمو سنوي مركب قدره 30.3 في المئة، وهو أخذ في النمو والتوسع في مختلف نواحي هذه الصناعة، بما في ذلك تحليل ما قبل المباراة والنشاط داخل المباراة وتجربة المشجعين وتحسين أداء اللاعبين.
ويستطيع الذكاء الاصطناعي اليوم أن يتولى معظم المهام المتعلقة باختيار تشكيلة الفريق، عبر استخدام تقنية تحليل مجموعة بيانات عن تفاصيل المباراة وعناصرها بشكل دقيق، ثم تقديم مقترح عن أنجح تشكيلة ممكنة للوصول بالفريق إلى اللعب المتناغم، بالتالي ستساعد المدربين على وضع تشكيلة الفريق بشكل علمي بعيداً من العاطفة وبناءً على الأداء الفعلي للاعب، إضافة إلى فهم المنافسين وإدراك خططهم وتحديد نقاط قوتهم وضعفهم للوصول بالفريق إلى الفوز، إذ تخضع الكميات الضخمة المجمعة من البيانات إلى تحليل دقيق وسريع، ثم وضع تقرير مفصل عن اللاعبين وأدائهم، الأمر الذي يساعد إدارة الفرق على وضع الخطط بناءً على التقرير لتكوين فرق منسجمة، بالتالي اختيار التشكيلة الأفضل تبعاً لمعطيات كل مباراة بشكل يسهم في استثمار مهارات اللاعب الفردية من جهة وتنسيقه وتناغمه مع غيره من اللاعبين من جهة أخرى.
أداء اللاعبين
وبسبب صعوبة الحصول على المواهب وضخامة الاستثمار في اللاعبين وما يحف هذا المجال من أخطار، دخلت التكنولوجيا سريعاً من هذا الباب لتساعد بشكل كبير على اكتشاف المواهب الجديدة عبر التنبؤ باحتمال إمكانية تحويل أحد المواهب إلى نجم في المستقبل، إذ مكن الذكاء الاصطناعي الأندية من تقييم إمكانات اللاعبين وأدائهم بشكل دقيق، من خلال تقديم بيانات دقيقة حول سرعة الجري والوزن الذي يمكنه رفعه ودقة التسديد، وما إلى ذلك من المواصفات التي يتمتع بها اللاعبون وتساعد معرفتها على تحقيق النتائج المرغوبة، وهذا الذي أكده تقرير قدمته شركة allied market research المتخصصة في الأبحاث الرياضية، أكدت فيه تحسن نتائج اللاعبين والفرق بمعدل 17 في المئة و28 في المئة على التوالي بعد الاعتماد على تقنيات الذكاء الاصطناعي.
كما تستخدم تقنيات خاصة قابلة للارتداء لتتبع حركة اللاعبين ومراقبة أدائهم البدني أثناء التدريب، للحفاظ على صحتهم بسبب المخاوف الدائمة على نشاطهم وحيويتهم، إذ غالباً ما يخضع اللاعبون لاختبارات جسدية تكشف عن العلامات المبكرة للمرض أو الإصابة، إضافة إلى قدرة هذه التقنيات على قياس حجم الضرر الناتج من اصطدام اللاعب وبشكل خاص رأسه، الأمر الذي يساعد المدربين على اتخاذ قرارات صحيحة تتعلق بسحب اللاعبين من الملعب ووضعهم موقتاً على مقاعد البدلاء للتأكد من عدم حدوث أي ضرر جسدي، يتيح هذا النهج الحفاظ على الحال البدنية للرياضيين وتجنب الإصابات البالغة.
تكنولوجيا خط المرمى
واستخدمت تكنولوجيا خط المرمى (GLT) لأول مرة في مونديال 2014 في البرازيل، ويمكن من خلالها تحديد ما إذا كانت الكرة قد عبرت بكاملها خط المرمى، ولها أهمية كبيرة في المواقف الصعبة والإشكالية، ولكن يشترط مجلس الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا) ألا تتداخل هذه التقنية مع مجريات اللعبة، لذلك صممت هذه التقنية بحيث يتلقى حكام المباراة وحدهم إشارة تزودهم ما إذا كانت الكرة بأكملها قد عبرت الخط أم لا، إذ يتم إرسال المعلومات في غضون أقل من ثانية إلى ساعات خاصة يرتديها الحكام، مما يضمن استجابة فورية منهم ويضمن عدم حدوث توقفات أو تدخلات بأي شكل من الأشكال في اللعبة.
تكنولوجيا التسلل شبه الآلية
وستطبق “تكنولوجيا التسلل شبه الآلية” في مونديال قطر 2022، وكان قد أعلن عنها في بداية شهر يونيو (حزيران) الماضي، بعد أن تم اختبارها في أربعة من ملاعب كأس العالم الثمانية، وتستخدم هذه التكنولوجيا 12 كاميرا مثبتة أسفل سقف الاستاد تتتبع حركة الكرة، إضافة إلى تخصيص 29 نقطة بيانات لكل لاعب تشمل جميع أطراف جسده، تعمل 50 مرة في الثانية لحساب مكانه الدقيق على أرضية الملعب، إذ تشمل نقاط البيانات الـ29 جميع أطراف جسد اللاعب وحدودها الخارجية، عبر إنشاء نموذج ثلاثي الأبعاد لكل لاعب.
كما ستقوم كرة “الرحلة” الخاصة بمونديال قطر 2022 بدور كبير في الكشف عن حالات التسلل، إذ ستزود بمستشعر وحدة قياس بالقصور الذاتي ليرسل كل بيانات حركة الكرة إلى غرفة عمليات الفيديو بسرعة تقدر بـ500 مرة في الثانية، مما سيتيح معرفة مكان ركلها بدقة لا متناهية، وفي النهاية ستساعد البيانات المأخوذة من تتبع اللاعبين وبيانات الكرة على اتخاذ قرارات دقيقة من خلال البيانات التي يتم أخذها من الكرة.
المصدر: INDEPENDENT عربية