قطر، كأس المفاجآت
كتب راشد فايد لـ”هنا لبنان”:
يأسر كأس العالم بكرة القدم أهل الكرة الأرضية مرة كل 4 سنوات، ويشغلهم عن همومهم، وعلى حسابها، أكثر الأحيان، ولربما لم تنس الذاكرة اللبنانية وقائع متابعة كأس العالم عام 1982 حين استقطعت أوقات المباريات الأساسية من يوميات الحروب على أرض لبنان، و”استُحضرت” الكهرباء من بطاريات السيارات لتشغيل أجهزة التلفزة، بلا مبالاة بالإجتياح الاسرائيلي وحصاره بيروت. وكل “كؤوس العالم” حظيت بمفاجآت، إلّا أن الكأس الراهنة أظهرت أنياب مفاجآتها مبكراً، حين نجح منتخب المملكة العربية السعودية في هزم الأرجنتين الفائزة باللقب مرتين في المباراة الافتتاحية للمجموعة الثالثة، على مستويي اللعب والنتيجة، لكن الحدث السعودي لم يأت؛ منفرداً، فاستضافة “كأس العالم” الـ 32 في قطر، بذاتها، كانت مفاجأة منذ كانت أملاً قطرياً، تبناه الاتحاد الدولي لكرة القدم عام 2010.
من يراجع تاريخ هذه البطولة، منذ انطلاقتها عام 1930، يجد أن للعرب فيها مفاجآت، لم تبلغ مستوى مفاجآت البطولة الراهنة، فأول بلد عربي لعب في تصفيات كأس العالم كان فلسطين ومصر، وقد تأهلت الثانية لكأس العالم في إيطاليا عام 1934، وكانت أول بلد عربى وإفريقي يصل إلى نهائيات كأس العالم وفي العام 1970، في المكسيك، عادل المغرب بلغاريا في الدور الأول، وفي كأس 1978 في الأرجنتين، اكتسحت تونس المكسيك بـ 3 أهداف لهدف، وكانت الجزائر أول بلد عربي وإفريقي يفوز بلقاءين في نهائيات كأس العالم، في إسبانيا 1982، في مبارتيها ضد ألمانيا التي إنتهت 2/ 1 وضد التشيلي والتي إنتهت 3/ 2. والجزائر، نفسها، كانت البلد الوحيد الذي فاز بلقاءين من دون أن يمر إلى الدور الثاني، هذا بعد خروجها من مؤامرة كانت في مبارة ألمانيا والنمسا والتي إنتهت 0/1 وأدت إلى تأهل هذين الأخيرين معاً، مع العلم أن الفيفا غيرت قوانين اللقاءات الأخيرة التي أصبحت تُلعب في الوقت نفسه على إثر هذه الحادثة. أما أول بلد عربي من آسيا يصل إلى نهائيات كأس العالم فكان الكويت عام 1982 في إسبانيا.
كانت المشاركات العربية، على ندرتها، تنتهي عند الدور الأول إلى أن وصل المغرب إلى الدور الثاني عام 1986 في المكسيك باحتلاله المرتبة الأولى في مجموعته التي ضمت كلاً من إنجلترا، بولندا والبرتغال لتسقط في الدور الثاني بصعوبة أمام ألمانيا 0/1. ويسجل للجزائر أن منتخبها كان أول بلد عربي في إفريقيا يصل إلى النهائيات مرتين على التوالي في 1982 -1986.
في العام 1994، كانت المملكة العربية السعودية أول بلد عربي آسيوي يبلغ الدور الثاني للنهائيات في الولايات المتحدة الأميركية بعد احتلالها المرتبة الثانية في مجموعتها التي ضمت كلاً من هولندا، بلجيكا والمغرب لتسقط في الدور الثاني أمام السويد 1/ 3. وفي العام 1998 كانت السعودية تصل للمرة الثانية للنهائيات في فرنسا، ثم كررت ذلك للمرة الثالثة في 2002 في كوريا الجنوبية واليابان، ثم أعادت الكرّة في ألمانيا عام 2006 للمرة الرابعة.
حالياً، تشهد وقائع كأس العالم في قطر مفاجآت لا خروقات للمعتاد في هذه البطولة، كفوز إسبانيا على كوستاريكا بـ7 أهداف للا شيء، وفرنسا على أستراليا بـ4 أهداف لواحد، وانكلترا على إيران بـ6 أهداف لإثنين. فالخروقات بدأت بالترشيح نفسه، وبتمكن قطر من الوفاء بالتزاماتها بتوفير كل ما يلزم لإنجاح كأس العالم الـ32، وتخطي الضغائن التي حيكت لإفشالها.
اللافت أن لا أحد بحث عن سر الإصرار القطري على هذا النجاح، الذي كلف الدوحة، حسب تقارير إعلامية، ما يتجاوز الـ122 مليار دولار.
يروي صديق قريب من بيت القرار القطري أن “الوالد” أي الشيخ حمد كان في سبعينات القرن الفائت في رحلة إلى لندن، وعند تقديم جواز سفره إلى ظابط الأمن العام البريطاني سأله الأخير: وأين تقع قطر؟
حز السؤال في نفس الشاب، وصار شاغله سؤال كبير، هو ماذا عليه أن يفعل كي يعرف العالم بلاده قطر؟ يومها لم يكن الغاز ثروة، بل دفين مجهول، ولم تكن قطر بالإمكانات المتوافرة اليوم، وكان الإنشغال بالجواب أوصله أيام اليسر إلى أمر لم يخطر على بال، وهو أن يُكتب اسم قطر على بطون طائرات الشركة الوطنية للطيران، ثم كان القرار بطلب تنظيم كأس العالم بكرة القدم، على أن يبدأ التخطيط والتحضير قبل أن تفاتح “الفيفا” بالأمر كي يكون لدى الدوحة إشارات جدية واضحة إلى مدى عزمها وإرادتها. ومن شاهد عبر شاشات التلفزة العالمية مدى فرح الوالد والإبن بفوز بلدهما بحق تنظيم هذه الدورة، يفهم مدى عمق الأمنية التي تحققت، وتجذرها لدى أهل قطر.
في كل “كؤوس العالم” مفاجآت، والمفاجأة في قطر كأس المفاجآت.
مواضيع مماثلة للكاتب:
الجرموز | من سيسرق المليار؟ | قربة مثقوبة |